هي أشبه بعذاب يومي مطبق، لا يفتح المغاربة جفونهم كل صباح إلا ليعيشوا مسلسلا من المآسي والمعاناة التي تتطور يوما بعد يوم. في مجالات متعددة، حيوية لا يمكن العيش بدونها، يعيش المغاربة معاناة في الحصول على أبسط الحقوق. التصنيف العالمي الأخير للسعادة صنفنا في ذيل الدول التي تنعم شعوبها بالسعادة، ولعل ما نعيشه كل يوم يبقى السبب الرئيس في تربعنا على عرش الشعوب الأكثر تعاسة.
– كم تساوي كرامة المغاربة؟
تتعدد المشاكل الاجتماعية التي تنخر جسد المجتمع المغربي كالفقر والأمية والبطالة والهجرة السرية…، كل هذه المشاكل وغيرها تحط بشكل مباشر أو غير مباشر من كرامة المواطن. «أكورا» ارتأت أن تسلط الضوء على بعض هذه المشاكل في محاولة منها لوضع اليد على مكمن الداء، فعاشت مع المواطن بعض مشاكله اليومية والروتينية متنقلة معه عبر مختلف وسائل النقل من سيارات الأجرة الكبيرة والصغيرة وحافلات النقل العمومي، ومرورا بمحنته في مجال الصحة وانتهاء بمعاناته في ميدان السكن.
– النقل.. مأساة يومية
تعتبر وسائل النقل من القطاعات الحيوية الأكثر استعمالا من قبل المواطنين بشكل يومي وهي تتنوع بين سيارات الأجرة الكبيرة والصغيرة وحافلات النقل العمومي، فسيارات الأجرة الكبيرة، بالرغم من إيجابياتها داخل بعض المدن الكبرى، في ظل غياب نقل عمومي منتظم أو منعدم أحيانا، يلبي رغبات الناس ويشبع الحاجيات اليومية للمواطنين من عمال وموظفين وتلاميذ وطلبة، وباقي فئات المجتمع الضعيفة، حيث أضحت تشغل، في غالب الأحيان، جانبا كبيرا من معاناة السكان، فإلى جانب ما تخلفه من تلوث إضافي للبيئة، وما تحدثه من اكتظاظ في الطرق داخل المدن، فإن تكديس المواطنين داخلها يعكس معاناة المواطن اليومية بامتياز، فكيف يمكن أن تحمل سيارة من نوع ميرسدس 7 أشخاص تختلف أحجامهم بين السمين والمتوسط والنحيف دون مراعاة التصاق أجسام الرجال بالنساء، فالهاجس الذي يشغل بال سائق الطاكسي هو ثمن 6 مقاعد. «اللي مبغاش يتزاحم يخلص 2 بلايص ويجلس مرتاح، أنا المهم عندي هو نتخلص في 6 البلايص في كل انطلاقة»، بنبرة قاسية أجابنا محمد، سائق طاكسي كبير قبل أن يعلق واحد من الركاب: «بشحال خدامين احنا باش نخلصو 2 بلايص، 6 الدراهم راها بزاف علينا ، ولينا خدامين غير على وسائل النقل خاص المسؤولين يديروا لينا شي حل، هاد الشي راه بزاف…».
إلى جانب سيارات الأجرة الكبيرة، هناك الصغيرة التي تبقى المهمة الأساسية الموكولة إلى أصحابها هي خدمة المواطن داخل المدينة، فمعظم زبائن هذه السيارة هم من الطبقتين المتوسطة والراقية، حيث غالبا ما يستعينون بها لقضاء مآربهم، لكن الذي يبدو أن سيارة الأجرة الصغيرة، مع الأسف، أصبحت مؤسسة خاصة بسائقها يتصرف بها كيفما شاء. «كاين مشكل كبير مع صحاب الطاكسيات الصغار تيبغيو يركبو اللي بغاو ويمشيو غير البلايص اللي بغاو وفي الوقت اللي بغاو، تتقول ليه بغيت نمشي لهاد البلاصة تيقول متنمشيش تما أو ساليت… « بحرقة تحكي لنا حكيمة، إعلامية بإحدى المجلات الوطنية، عن معاناتها اليومية مع أصحاب سيارات الأجرة الصغيرة.
فرخصة الثقة المسلمة لصاحب سيارة الأجرة من طرف السلطات المختصة أصبحت بمثابة إذن قانوني للبعض أجاز له التلاعب بأعصاب المواطنين وعدم احترام رغباتهم. «متيحترموش الزبائن ديالهم هما تيقلبو غير على مصلحتهم إلى كانوا ثلاثة د الناس متيهزهمش وإلى كان هاز واحد تيزيد آخر أو جوج في الطريق باش يتخلص منهم كاملين»، تضيف حكيمة.
أما حافلات النقل العمومي (الأتوبيس) سواء داخل المدار الحضري أو خارجه، فتشكل مرتعا خصبا لهدر كرامة المواطن بامتياز، وهذا الواقع نعايشه يوميا ونشاهد مآسيه ومصائبه المتكررة، فالاكتظاظ المفرط وما يخلفه من آثار سلبية على نفسية المواطن يجسد المناخ المناسب لممارسة جميع أنواع السرقات، حيث تخضع جيوب ومحافظ الركاب للتفتيش أو بالأحرى «التبقشيش»، ناهيك عن الممارسات المخلة بالآداب من طرف ذوي النفوس المريضة، وغياب الاحترام والوقار وتشويه لسمعة المواطن، بل وانحطاطا لكرامته التي تهدر وسط ذلك الازدحام الفظيع، الذي تغيب فيه الإنسانية بكل قدسيتها، دون أن ننسى الحالة الميكانيكية المتدهورة للحافلات المستعملة والتي لا تتم صيانتها أو إعادة ترميمها حتى تتوقف عن العمل بصفة نهائية ويكون مصيرها الركن بمرآب الشركة. أضف إلى ذلك حالة الاكتظاظ التي أضحت تعرفها بعض الشوارع الرئيسية في أوقات الذروة لا سيما في المدن الكبرى كمدينة الدار البيضاء أو المدينة الغول كما يحلو للبعض تسميتها، حيث أصبح الوقوف في الضوء الأحمر يستغرق من 5 إلى 15 دقيقة في بعض الأحيان، فمع كل هذا تتفاقم يوميا مؤشرات الآثار السلبية على التزامات مستعملي الحافلات من عمال وموظفين وطلبة وتلاميذ وغيرهم… مما يضطرهم إلى بدء نهارهم بنرفزة وأعصاب متوترة، الشيء الذي يؤثر بشكل سلبي على منتوجهم في العمل. «كل نهار تنوصل الخدمة معطل، وكل نهار حكاية مع هاذ الطوبيس، تيكون الزحام كثير وتيكثر معاه الكلام النابي والسرقة وحرب المشاداة الكلامية التي لا تنتهي بين الركاب وقلة الاحترام مما يؤدي إلى عرقلة السير العادي للحافلة، وبالتالي تأخرها بشكل فظيع، ومع ذلك تيبقى الطوبيس شر لابد منه» يعلق خالد، عامل بإحدى الشركات الخاصة ومن مرتادي الحافلة بشكل يومي.
– الصحة.. بيد الله
يعتبر قطاع الصحة عموما من أولويات المطالب الاجتماعية، وتعتبر المستعجلات في مجموع ربوع المملكة بصفة خاصة قبلة لكل المواطنين ومصلحة لكل حركة وتدخل طبي سريع وإنقاذ الأرواح، إذ لا مجال فيها للتأخر أو الخطأ ، فإليها يتوافد مئات المرضى يوميا من مختلف المناطق في فضاء لا يتسع للعدد الهائل والمتزايد، وفيها حالات مرضية كثيرة مختلفة ومعقدة ومشاكل تعترض المرضى ونقص حاد في الموارد البشرية والمعدات الأولية وقلة الإمكانيات والتجهيزات الضرورية، بالإضافة إلى الأجهزة المهترئة من أسرة العلاج والأسرة المتحركة وعدة عراقيل تنظيمية أخرى تعيق علاج المرضى.
«تيقولو العلاج بالمغرب مجاني، لكن خاصك تؤدي لحارس المستشفى، ولممرض المستعجلات وللمكلف بطابور الانتظار وللممرض أو الممرضة اللي غادي تدخلك تشوف الطبيب، وللقائمين على تتبع العلاج، هاد الشي كامل إلا بغيتي تشوف الطبيب، وإلا شد النوبة وتمااا بقيتي…» بصوت بئيس يحكي لنا يونس الذي كان يرافق والده المريض. ويصمت قليلا ليخرج تنهيدة من الأعماق قبل أن يضيف: «صراحة إلى معندكش الفلوس في هاد البلاد غير سير تموت…».
وفي جولة بأحد مستشفيات العاصمة، تطالعك وجوه المرضى في طوابير مصطفة تنتظر المجهول وعلامات الحسرة والمعاناة بادية على محياهم، فهم يعيشون بين مطرقة الانتظار الطويل وسندان ألم المرض، وترى الأطر الموجودة على قلتها داخل المستعجلات تترنح بين الوازع الإنساني وإكراهات الطلبات المرتفعة على المستشفى. ففي قاعة الانتظار تتعالى أصوات المرضى بين السخط والتذمر من ألم المرض وسوء الخدمات المقدمة لهم رغم جهود الأطباء المحتشمة في ظل غياب المعدات والتجهيزات الضرورية، ناهيك عن التماطل ومنح مواعد بعيدة قد تصل في الغالب إلى ستة أشهر أو أكثر، كما تحكي لنا السيدة عائشة التي وجدت نفسها تعاني منذ أكثر من ستة أشهر بعد خروج الطبيب الذي كان يشرف على حالتها.
هذا وقد أكدت مصادر لـ»أكورا» أن الوضع بالمستشفيات العمومية أصبح صعبا وبات من جملة المطالب الملحة تقنين عمل الأطباء العموميين بالقطاع الخاص، والذين عادة ما يتركون مرضاهم بالمستشفى العمومي ويلتحقون للعمل بالمصحات الخاصة القريبة من المستشفى.
– السكن.. في مهب الريح
بالرغم من الاهتمام البالغ الذي حظي به موضوع السكن في خطب وكلمات الملك محمد السادس، الذي أكد على أهمية توفير سكن ملائم للمواطن كأحد ركائز ضمان الاستقرار والأمن الاجتماعيين، بل وعمل على إعطاء تعليماته للحكومة وتتبع برامجها عن قرب، فإن هذا القطاع لازال يدق ناقوس الخطر في كل أقاليم المملكة وأصبح السكن الصفيحي والعشوائي الذي تنعدم فيه أبسط شروط الحياة الكريمة منتشرا كالفطر بسبب الهجرة القروية نحو المدن بحثا عن مستوى معيشي أفضل وعدم القدرة على الحصول على سكن لائق يحفظ كرامة المواطن نظرا لارتفاع أثمنة كراء وشراء المساكن.
«حلمك في امتلاك سكن لائق يحفظ كرامتك كمواطن بسيط يتبخر بسبب الفساد الذي ينخر جسد البلد في ميدان العقار، فكيف يعقل أن تباع، بل تفوت ملايين الأمتار أو الهكتارات من أجود وأخصب وأصلح أراضي الدولة بأثمنة رمزية أو بالأحرى بـ «بلاش» لأصحاب النفوذ ولوبيات الفساد في إطار صفقات مشبوهة، وتباع بالملايين للشرفاء والفقراء من أبناء هذا الوطن؟»، هكذا عبر لنا سمير، عامل بالديار الكندية، عن استيائه وتذمره من تبخر حلمه في الحصول على سكن يضمن استقراره وأمنه الاجتماعيين، بعدما فشلت كل محاولاته مع بعض المجموعات المتخصصة في ميدان العقار، والتي كانت قد التزمت بتسليمه مفاتيح شقته التي اقتناها منها في إطار مشروع السكن الاقتصادي بعدما استجاب لكل الشروط التي تم الاتفاق عليها بموجب العقد المبرم بينهما ليتفاجأ بعدم التزام المجموعة بتسليمه المفاتيح بدعوى إتلاف بعض الوثائق التي كان قد أدلى بها من قبل. «8 اشهر هادي وانا تنخلص التريتة وباقي ما خذيت السوارت، عيت من طلع ونزل بلا فايدة.. وخليت كلشي ومشيت فحالي»، يفسر سمير سبب تخليه عن إتمام إجراءات الحصول على شقته ليترك وكالة لأخته التي أصبحت بطلة في مسلسل «طلع وهبط».
لقد أصبح حق امتلاك سكن قار من طرف مواطن بسيط أمرا صعب المنال بعدما صادر الفاسدون وأصحاب النفوذ منعدمي الضمير حقه في الاستقرار وحولوا حلمه في امتلاك قبر الحياة إلى كابوس مزعج، وذلك من خلال ممارسة بعض الحيل في شراء أراضي مملوكة للدولة بأسعار زهيدة وتنفيذ مشاريع عقارية بسيطة عليها لتتم إعادة بيعها للمواطن البسيط بأثمنة باهظة، لذلك نجد الكثير من الشباب بات عاجزا عن الانفصال عن بيت العائلة لبناء أسرة خاصة به نظرا لارتفاع تكاليف السكن والعقار وأثمنة الكراء، وبسبب تفشي الغلاء الفاحش وارتفاع أسعار المواد الأساسية.
نعيمة السريدي