انتخاب المغرب بالأغلبية لتولي منصب نائب رئيس منظمة الأنتربول عن القارة الإفريقية
أحمد أبو رتيمة-كاتب من غزة: [email protected]
تقوم الأحكام المسبقة المستقرة في أذهاننا بدور سلبي يعيق وصولنا للحق إذ تشكل هذه الأحكام المنظار القاتم الذي ننظر للعالم من خلاله، وتشدنا برباط وثيق يصعب التحرر منه..
الإنسان غالباً هو متبع للهوى بعيد عن الموضوعية والعدل وإن زعم حرصه على الحق إذ إن الناس في أغلب نقاشاتهم يسعون لإثبات فرضيات مسبقة هم مؤمنون بها وليس لاكتشاف حقائق جديدة، فإذا عرضت عليهم أفكار جديدة سارعوا إلى رفضها ليس لعلة في مضمونها بل لمجرد أنها مخالفة للأفكار السائدة “ما وجدوا عليه آباءهم”.
ألمس هذه الصعوبة حين تتضمن بعض مقالاتي أفكاراً خارجةً عن الخط العام فيسارع فريق إلى مجادلتي في بطلانها دون أن يأخذ وقتاً في التفكر في محتواها الموضوعي مستنداً في ذلك لفرضية مسبقة راسخة في وعيه بأن كل فكرة جديدة هي بالضرورة خاطئة وأن الواقع الحالي الذي وجدنا عليه آباءنا هو الطريقة المثلى وهو الحق الذي ليس بعده إلا الضلال، ثم يجتهد بعد ذلك في انتقاء الحجج والبراهين لإلباس رفضه لباس العلم والموضوعية. لكن الحقيقة أنه رفض للأفكار الجديدة لمجرد أنها جديدة..
لهذا أستمسك بأفكاري التي قام عليها عندي برهان غير مبال بالهجوم الشرس لأنني مدرك بأن رفض أكثر الناس غير مبني على تفكر موضوعي ومحاكمة عقلية عادلة..
ما يفعله أكثر الناس هو أنهم يبحثون بحثاً انتقائياً في الأدلة لتثبيت واقعهم ولترسيخ شرعية أفكارهم المتوارثة ولإدانة ما يخالفها فلا يقفون على مسافة واحدة من الأدلة والبراهين للوصول إلى الحقيقة المجردة، لذا فقد رأى عالم الاجتماع العراقي علي الوردي بأن الدماغ البشري لا يزيد عن كونه وسيلةً للبقاء مثله مثل خرطوم الفيل وناب الأسد يقصد الإنسان باستعماله الدفاع عن نفسه وليس الاهتداء إلى الحق.
يضرب لنا القرآن الكريم مثلاً تتضح فيه هذه الطبيعة البشرية التي يتصف بها أكثر الناس خاصةً من عامة الجماهير الذين لا يكلفون أنفسهم عناء التفكير، ففي قصة موسى والسحرة يقول الله تعالى:”وَقِيلَ لِلنّاسِ هَلْ أَنتُمْ مّجْتَمِعُونَ* لَعَلّنَا نَتّبِعُ السّحَرَةَ إِن كَانُواْ هُمُ الْغَالِبِينَ “.. كان مقتضى العدل أن يقال دعونا نجتمع لنرى حجة الفريقين فأيهما كان على حق اتبعناه لكن أسر المعتقدات الراسخة أعماهم عن رؤية الحق خارج إطار الدين الذي ألفوه عن آبائهم فهم لا يتصورون أن يكون الحق إلا مع السحرة، وما اجتماعهم إلا لإثبات فرضية مسبقة عندهم وليس في وارد الحسبان أن يأتي الحق سوى بتأكيد هذه الفرضية..
هكذا هو حال أكثر الناس مثل حال آل فرعون يبيعون شعارات العلم والحق والموضوعية والتجرد، لكنهم أسروا أنفسهم داخل أسوار محكمة فعميت أعينهم وصمت آذانهم عن رؤية شمس الحقيقة الساطعة خارج هذه الأسوار وإن تأتهم بكل آية لا يؤمنوا بها..
قلما ومن الصعوبة أن يصل الإنسان إلى حالة التجرد الكامل التي يتخلى فيها عن فرضياته وأحكامه المسبقة ويلقي السمع وهو شهيد ليستمع إلى الجديد ويطالب القائلين به ببرهانهم “قل هاتوا برهانكم” دون المسارعة إلى الرفض المبدئي. وفي هذه الحالة النادرة وحدها يكون الإنسان مهيئاً للاهتداء إلى الحق لذا يقرر القرآن أن أكثر الناس للحق كارهون وأنهم لا يؤمنون “وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين”..
سبب صعوبة انعتاق الناس من أحكامهم المسبقة هو أن الاستقرار على الأفكار المألوفة أقرب للهوى وأقل تكلفةً من اعتناق دين جديد فهذا بحاجة إلى جهد شاق وإقلاع ضد الجاذبية..
كما أننا نجد صعوبةً في التخلي عن الأحكام المسبقة لأننا ربطنا كياننا ووجودنا بأفكارنا فقدسناها وصرنا ننظر إلى أي انتقاد لهذه الأفكار بأنه يستهدفنا شخصياً ولو عقلنا لدرنا مع الحق حيث دار، ولحافظنا على مسافة فاصلة بين أشخاصنا وأفكارنا فلم نجد حرجاً في التخلي عن عنها حين يأتي البرهان ببطلانها.
إن تحريك العقول والاستماع للأفكار غير المألوفة بنيّة الاستفادة والبحث فيها إن كانت تحمل بعض الوجاهة لا بنيّة تفنيدها وحسب هو الكفيل بتقريبنا من العلم والموضوعية.
والله الهادي إلى سواء السبيل.