الشاعر والأكاديمي محمد السرغيني
بقلم: محمد العناز (كاتب وباحث مغربي)
صدر عن منشورات مؤسسة نادي الكتاب في المغرب للشاعر والأكاديمي محمد السرغيني كتابٌ موسومٌ ب”تحت الأنقاض فوق الأنقاض-فاكهة تؤجل تاريخ فسادها” في سبعة ومائتي صفحة من القطع المتوسط، تزينه لوحة للفنان التشكيلي عزيز أزغاي. ويضم واحدا وثلاثين نصا(تحت الأنقاض، أعتاب”اليوتوبيات، الشهب الاصطناعية، غريق شلاّل”لوريط” التلمساني، محلقات الكائن العضوية، الأرض من الأعلى، لائحة بالوظائف الشاغرة، فوق الأنقاض، التقاط الإشارات، مديح خراب” طبوغرافي” لغة اللغات القادمة، خلاصة قراءاتي في كتب المملكة، مراسيم رثاء ثلاثة شعراء آشوريين، إصلاح أعطاب الطقس، تعديل بعض الصيغ الجاهزة، “أبو الفتح الأبشيهيّ: الألفية الأولى، أبو الفتح الأبشيهيّ: الألفية الثانية، أبو الفتح الأبشيهيّ: الألفية الثالثة، متواليات مخيّم غجري، العنقاء من النقطة الفاصلة، حصّالة النقود الخظفية، اللقاح واللقاح المضادّ، الوثائق الموازية، حلٌّ نهائيٌّ لألغاز الكيماء، الحاجة إلى استيراد الأسماء النادرة، ميقات سقوط الثلج، “الأرض الخراب” و”واحاتها”، للإحساس بالعلامات، “كوجيطو” ما بعد النقطة والفاصلة، جدولة الديون السابقة). إنها نصوص خارج التصنيف الأدبي المتعارف عليه، تنتمي إلى كل الأجناس الأدبية، وتخرج عنها في الآن ذاته، ويمكن إدراجها داخل الشعر، ولكن بمفهوم آخر للشعر؛ المفهوم الذي يصير فيه موازيا للحرية، للأصل في انجذاره داخل رحم العالم الأول. ومن ثمة يعد هذا النص بناء لممكن القول يصير معه الشعر معرفة وتلاعبا بها، وهدما لأصولها في الوقت ذاته. الصورة لم تعد بوحا بوجدان أو التقاطا لتفاصيل العالم، بقدر ما صارت متجذرة في تكوينات المعرفة ذاتها. إنه ديوان ليس بالمتعارف عليه. ديوان الكتابة، وقد صارت حركة من الحفر في ذاتها وترسباتها بحثا عن ممكناتها القصوى في تكليم العالم وإعادة صياغته، وخرق كل الأشكال المتعارف عليها في التعامل مع الأشياء والموضوعات، ومن ثمة تصير لغة الكتابة خالقة لتراكيبها الخاصة، ومبحرة في حدود لا تتوقف عن الانكسار، بل إن اللغة تبحث عن وحدة خارج التعدد الذي يميز سطحها ومتكلميها؛ وكأن الكتاب يتوخى إعادة تأسيس بابل الأولى قبل أن يبلبل الله البشر، فتتعدد لغاتهم، ولذا ينفتح النص على اللغة الفرنسية ويدمجها في داخله. ويمكن لنا أن نختزل مجمل المقاصد التي ينبني عليها الديوان في النقط الآتية:
– القتل المجاني الذي نال نبغاء القوم، وإدانة للعصر العباسي، وإدانة لتاريخنا.
– الإنسان هو المقياس الأول والأخير. الإنسان تجل للكون. الإنسان يعبر باللغة الواحدة(الألم).
– هل بالإمكان إيجاد لغة ولغة لأن المضامين موحدة.
-لم اللغات مستقلة منها وبخاصة طريقة ..
– هل يمكن خلق لغة واحدة، كثير من الخاصيات تتشابه عند الإنسان كلها، فما هو كرافي في اللغات يكاد يعود في أشكال موحدة.
– اللغات التي نتكلم بها لا تكاد في الأقصى 32 صوتا..المجد للإنسان الذي اخترع من ثلاثين صوتا آلاف اللغات.
– امتزاج اللغات قلب كتابة اللغة الفرنسية من اليمين إلى اليسار خاصة الشاعرية لتحبيب القراءة الإيقاع وهم.
تحرير المعنى من قيود المعنى وفتحه على آفاق التأويل المتعددة.
يقول الشاعر محمد السرغيني :”في محاولة لتوجيه عدسة” الكاميرا” من أجل استقطاب المرئي من كل الجهات، تبيّن أن الشمس شمس حتى مع انحسار ضوئها عند المساء، وأن النجوم لا تفقد معناها السماويّ إن تشظّت منفوشة على الأديم، وأن الجبال جبال حتى ولو تفتتت صخورها ذرّات غبار تذروها الريح، وأن البحار لا تقلل من شهيّة أسماكها المرجانيّة ملوحة ُ ميّاهها. ورغم ذلك، يجد المتطفلون الفرصة سانحة لتأكيد عدم إحالة شيخوخة الأشياء على ملامحها الطرية القديمة، إذ منهم من لا يميز بين أول الشيء وآخره. السرمدية استرسال، وما الفصل العابر بين فقراتها إلا وقوف دقيقة صمت ترحّماً على مستقبل تأخر عن موعد حضوره”. هذا المقطع زاخر بالمعنى العام الذي تتحرك في مداره جل النصوص، فهو دال على الحكمة وهي تستقي أسسها من عناصر الكون، تلك الحكمة التي ترى في العالم أصلا واحدا، وأن صيرورته هي مجرد استرسال غير متقطع يمظهر السرمدية في تجليها عبر عناصر العالم، هذا الأصل ليس هو الظاهر المتغير والمتعدد والفاني، ولكنه ما يكمن خلفه بوصفه دالا على المعنى. ومن ثمة لا يمكن قراءة الديوان إلا بوصفه إعادة بناء المفصلة التي تعيد للعالم اتصاله الحقّ، بما يعنيه ذلك من إعادة بناء اللغة الشعرية وفق منظور تصير مع وحدات المعجم قابلة لأن يحل بعضها محل البعض، وتصير معه اللغات متساوية في الحضور لتأدية معنى لا يقيم في أية لغة منها، وإنما في الفضاء الذي يسمح بتجاورها.