يتحدث مساعد رئيس قطاع السجون المصري اللواء محمد حمدون، في الحلقة الرابعة والأخيرة من شهادته على يوميات رجال الرئيس السابق حسني مبارك في السجن، عن تفاصيل إقامة المسؤولين السابقين بعدما اكتملت عملية توقيفهم داخل أسوار السجن، وهو يقول إن وزير الداخلية السابق حبيب العادلي كان الأكثر عزلة بين رموز النظام، ويكشف أنهم استعانوا ببعض المساجين لخدمتهم في الأمور الحياتية التي تتضمن تنظيف زنازينهم وعنابرهم وتصل إلى حد قص الشعر وصبغه، ويتحدث اللواء حمدون عن زيارات ذوي أقطاب النظام السابق لهم في السجن، والتي دفعت إدارة السجن إلى تجهيز ساحة جديدة للزيارة بسبب ضيق المكان الذي كان مخصصاً للسجناء القدامى، لكن ظل العادلي متمتعاً باستقبال زائريه في حجرة مأمور السجن.
في ما يأتي الحلقة الأخيرة من شهادة اللواء حمدون:
* كيف تعايش رموز النظام السابق مع السجن، حدثنا عن تفاصيل عيشتهم الجديدة بعدما أكملت السلطات وأجهزة التحقيق عملية توقيفهم؟
– بعدما اكتمل وصول رموز النظام السابق إلى أماكن احتجازهم في سجن المزرعة تغير نظام حياتهم تماماً، فهم تركوا مرغمين رغد الحياة وحلاوتها ورفاهيتها وسلطانها والأمر والنهي فيها. تبدلت الحال إلى حال أخرى، عاشوا حياة الأسر والكسر والطاعة لما يُفرض عليهم من أوامر وتعليمات واحترام للوائح وما تقضي به تعليمات السجون من انتظام لقواعدها وتعليماتها ودليل العمل فيها. فساعات النوم محددة بموعد غلق الزنازين وفتحها، حيث يتم غلق الزنازين في الساعة الخامسة مساء في الشتاء، وتفتح في تمام الساعة الثامنة صباحاً. ويختلف ذلك صيفاً حيث تغلق في السابعة مساء وتفتح في السابعة صباحاً. وفي الغالب فإن كلاً منهم كان يعيش داخل الزنزانة إما قارئاً للقرآن الكريم، فهو أنيس وحدته يتقرب به إلى الله، بعد أن كان يعيش مع الأصدقاء من علية القوم في مناخ الحرية. أما خارج الزنزانة فكان السجين يقضي وقته يقرأ الصحف أو كتاباً من الكتب المسموح بدخولها، أو مع بعض برامج التلفزيون والقنوات المحلية من دون الفضائيات طبعاً، فهي غير مسموح بها.
وعندما يأتي موعد فتح الزنزانة صباحاً يتناول بعضهم الإفطار في المطعم أو إذا رغب في زنزانته، ويخرج البعض منهم من الزنزانة إذا أرادوا التريّض المسموح به لمدة ساعتين في الملعب الصغير الملحق بالعنابر والزنازين، ويذهب منهم من يشاء إلى المسجد الملحق بهذه العنابر ليصلي ركعتين لله قبل صلاة الظهر. كل هذا يتم بالطبع تحت أعين الحراس والقائمين على السجن وغير مسموح لأي سجين منهم أن يخالف التعليمات أو يذهب إلى مكان بعيد من هذا النطاق.
كان وزير الداخلية الأسبق حبيب العادلي ممسكاً بالمصحف باستمرار وقارئاً دائماً للقرآن لدرجة تشعر معها بأنه يريد حفظ القرآن الكريم الذي أصبح أنيسه الوحيد فهو كان دائم العزلة عن الآخرين لا يتقرب من أحد ومبتعداً عن الجميع، حتى حينما يعود من جلسات المحاكمة لم يكن يدخل في حوارات مع أحد، فقط يدخل إلى زنزانته ثم ينتظر موعد فتح الزنازين ليذهب إلى المسجد.
الحال نفسها سيطرت على نجل الرئيس السابق جمال مبارك، وكان أيضاً منعزلاً عن الجميع، لا يمشي مع أحد إلا شقيقه علاء مبارك، وهما كانا متلازمين في الصلاة في المسجد ويسيران دائماً ذهاباً وإياباً في العنبر والمسجد والتريّض. كان علاء مبارك كثير الركوع وصلاة الفروض والسنن وهو آخر من يخرج من المسجد بعد أداء الصلوات بعد حبيب العادلي، وعندما يجد أحداً خارج المسجد يسلم عليه بأدب وبابتسامة على استحياء، ممسكاً بالمصحف الشريف بيده اليمنى ونظارته على عينيه، سائراً بخطوات بطيئة إلى زنزانته. لم يكن هناك حديث يجمع علاء أو جمال مبارك مع باقي الموجودين في السجن إلا نادراً.
كانت في كل زنزانة دورة مياه صغيرة ملحقة بها وتضم سخان مياه صغيراً طبقاً لقواعد الحد الأدنى لمعاملة المحبوسين، وهو شيء إنساني مطبق في جميع السجون المصرية بعد الزيارات الكثيرة والمستمرة لمنظمات حقوق الإنسان، خصوصاً في عهد اللواء عاطف الشريف مساعد الوزير السابق لقطاع السجون، وهو بحق كان رجلاً إنسانياً ينطبق عليه الوصف “شدة من غير عنف ولين من غير ضعف”.
خدمة بمقابل
* بالنسبة لكبار السن منهم، من يخدمهم ويرتب لهم أوضاعهم؟
– كثرٌ من أقطاب النظام السابق في السجن من كبار السن غير القادرين على خدمة أنفسهم وكلهم تقريباً لم يكن معتاداً على ترتيب أموره بنفسه، وقد وجدوا في المجندين المحكومين بالسجن لسنوات بسيطة، ضالتهم. ففي سجن المزرعة هناك مجموعة من المحكومين بأحكام بسيطة من سنة إلى ثلاث سنوات، وهم بالأساس من المجندين الذين دينوا بالفرار من الخدمة العسكرية، ومن بين هؤلاء المحبوسين من يريد أن يعمل خلال فترة الحبس بإرادته وبأجر بسيط، فيتم تعيين أحد هؤلاء السجناء مع من يرغب من الرموز السابقين من كبار السن ليقوم على خدمته في أمور تنظيف المكان أو إحضار المأكولات، وهذا أمر لا دخل لإدارة السجن به، عكس ما تردد من إشاعات، ويتم في شكل اختياري وبإرادة السجين نفسه. وهناك من المحبوسين من يمتهن إحدى الحرف، كالطباخ والخباز والحلاق والكهربائي والسباك وخلافه، وهؤلاء أيضاً يساعدون سجناء النظام السابق في أمورهم الحياتية، فمنهم من يتولى تهذيب شعر من يريد ولحيته، بل ويقوم بعضهم، ومنهم صفوت الشريف، بصبغ شعره، والمقابل المادي عبارة عن بضعة جنيهات توضع في أمانات هذا المسجون. ووفقاً لنظام السجن، فإن السجين الذي يختار آخر ليخدمه لا يدفع له أجره في شكل مباشر وإنما يتم خصم الأجر من وديعة الأول ويضاف إلى وديعة الثاني الموجودة في الأمانات.
* ماذا عن تفاصيل الأمور الحياتية اليومية؟
– الطعام مثلاً، هناك وجبات معروفة ومنصوص عليها في لائحة السجون تُعرف بـ “الجراية”، وهي عبارة عن أكل بسيط يتضمن إفطاراً خفيفاً وغداء وعشاء من الخضراوات والبروتينات، لكن توجد كافيتريا ملحقة في السجن يستطيع الطهاة فيها تجهيز وجبات مميزة لمن يريد من النزلاء تُباع بمقابل مادي، وكل نزيل يمكن أن يترك مبلغاً من المال في أماناته يسحب منه كلما أراد، لشراء وجبة مميزة أو صحف أو مناديل أو مياه، فكان يقوم من يريد من هؤلاء النزلاء بشراء ما يريد من هذه الاحتياجات والوجبات. وفي يوم الزيارة كانت تأتي لهم وجبات من الخارج تكفيهم وبعض زملائهم.
والحقيقة أنه لم تحدث أية مشاكل تتعلق بالطعام سواء ما يصرف للسجناء أو ما يشترونه أو ما يأتي لهم من الخارج، فالهموم بالنسبة للسجين تتجاوز هذه الأمور. لذلك، لم تكن هناك طلبات خاصة أو معاملة خاصة لأي منهم لتسهيل حياتهم اليومية، بل كانت حياة الجميع عادية وبسيطة تتماشى مع طبيعة الحياة التي فرضت عليهم ومع خشونة الأوضاع داخل السجون، وكان الجميع ملتزماً تعليمات السجن ولوائحه الداخلية، ربما التزاماً منهم وربما خوفاً من إجبارهم بتلك اللوائح. في الحقيقة كانوا نزلاء مثاليين في احترام اللوائح والتعليمات، على عكس ما كنا نسمع ونقرأ في الكثير من الصحف وربما في بعض الفضائيات ومن بعض المتحدثين في برامج “التوك شو”، وأقول إن كل ما كان يُكتب أو يُسمع أو يُقرأ هو من قبيل الفرقعة الإعلامية التي تستهوي القارئ أو المشاهد. مجرد إشاعات تستخدم لتحقيق أهداف سياسية، ويشهد الله على كل ما أروي وعلى ما عشته وشاهدته.
* كيف كانت علاقة رموز النظام السابق بعضهم ببعض؟
– الوضع داخل السجن مختلف تماماً عن خارجه، فالعلاقات بينهم تشبه “علاقة جيرة المصريين أهل زمان”، وفي الغالب من دون تداخل أو احتكاكات، هي علاقة جيرة من نوع آخر، فهم يلتقون مع بعضهم بعضاً في لحظات فتح الزنازين، والتريّض، وأيضاً في صلاة الجماعة بالمسجد، وفي أوقات الفرائض “الظهر والعصر والمغرب”، أما صلاة العشاء فكانت تؤدى داخل الزنازين، إذ تحين بعد غلقها، وكلما التقت الوجوه صباحاً نظر من جاء في وجه زميله قائلاً “صباح الخير” أو “مساء الخير” ثم يغلب الصمت على الجميع إلا نادراً.
وكان الأقرب، جمال مبارك مع شقيقه علاء، فهما كانا متلازمين والأقرب لهما كان وزير الإعلام الأسبق أنس الفقي الذي كان يقضي وقته خارج الزنزانة مع رئيس اتحاد الإذاعة والتلفزيون السابق أسامة الشيخ، كذلك كان وزير السياحة الأسبق زهير جرانة ووزير الإسكان الأسبق أحمد المغربي مقربين من بعضهما. أما رجل الأعمال أحمد عز فأمضى كثيراً من الوقت منفرداً، وكذلك زكريا عزمي الذي كان يتحرك وحده هنا وهناك، وأحياناً كنا نشعر بأنه يتحسس الخطى لهذا أو ذاك رغبة منه في كسر حدة وحدته. وماجد الشربيني كان صديقاً لشريف والي ووليد ضياء. أما فتحي سرور فكان دائم العزلة إلا في حال توجهه إلى عيادة الأسنان، وكان دائم الإشادة بالطبيب المتميز الشاب الدكتور محمد المنشاوي مشرف عيادة الأسنان؛ لحرفيته الشديدة في مهنته… مساعدو وزير الداخلية الأربعة السابقون كانوا دائماً متلازمين في المأكل والمشرب والصلاة والإعاشة.
سوزان مبارك تبكي
* ماذا في جعبتك عن زيارات ذويهم لهم في السجن؟
– الجميع كانوا يمضون فترة الحبس الاحتياطي وهم يستحقون زيارة واحدة في الأسبوع، ومصرح لهم طوال تلك الفترة بإحضار المأكولات يومياً من ذويهم من الخارج في ما يسمى في السجون “الطبلية”، وكانت المأكولات الآتية من خارج السجن تخضع لفحص دقيق، والزيارات موزعة على مدار الأسبوع، وكانت الزيارات في البداية تتم في مكاتب الإدارة موزعة ما بين حجرة مأمور السجن وباقي الغرف الإدارية الملحقة. أما المكان المخصص للزيارة فكان محدوداً لا يتسع إلا للنزلاء القدامى، فهو مكان ليس كبيراً ملحق به كافيتريا صغيرة. وبادرت إدارة السجن وإدارة القطاع إلى تجهيز مكان مناسب وأكثر سعة ليستوعب الجميع قبل مدخل الزنازين.
زيارات حبيب العادلي ونجلي الرئيس السابق علاء وجمال مبارك كانت غالباً تتم في حجرة المأمور حتى جرى تجهيز المكان الجديد للزيارة، ومن الطرائف أنه في إحدى الزيارات دخل أسامة الشيخ إلى حجرة المأمور وقال له: “اسمح لي بالزيارة في حجرتك زي زيارة حبيب العادلي وآخرين” فرد عليه المأمور: “مكتبي لا يتسع لكل هذه الزيارات”، واشتد الحديث بينهما حتى قال الشيخ لمأمور السجن “أنا متظلم منك”، وبعد ذلك أصبحا صديقين بعد تفهم وجهة نظر أسامة الشيخ.
لم يكن هناك أي شيء لافت أو غريب بالنسبة للزيارت، إذ كانت تتم طبقاً للقواعد المعمول والمسموح بها. زيارة الأهل تشمل ثلاثة أو أربعة أفراد كحد أقصى ومدتها من ساعتين إلى ثلاث ساعات تتبادل فيه الأسر الحديث. كانت أصعب الزيارات الزيارة الأولى لِمَا فيها من حساسية وعواطف جياشة ووجوه سيطر عليها الحزن والأسى، وطالما اختلطت لمسات الحزن ببعض دموع الزائرين، وهو أمر إنساني عادي تلاشى مع تعدد الزيارات. وكانت أشد هذه اللحظات عند زيارة سوزان ثابت ولديها علاء وجمال مبارك، إذ لم تستطع أن تغالب دموعها في أول زيارة لنجليها فبكت وبكى الابنان معها.
وطالما نظمت لجان معنية بحقوق الإنسان أو تقصي الحقائق أو من النيابة العامة زيارات من آن لآخر لتفقد أوضاع رموز النظام السابق في السجن وظروف إقامتهم وإذا ما كانت تُقدم لهم أية استثناءات في المعاملة أو تحيّز لمصلحتهم، في ظل الإشاعات عن وجود مكيفات هواء في زنازينهم وأطباق لاقطة لمشاهدة القنوات الفضائية، وكانت النتيجة أن لا استثناء لهم داخل السجن، فأعضاء النيابة بحكم عملهم يتفقدون الزنازين ويجيز لهم القانون ذلك ولو كانت هناك مخالفات لرفعوها إلى الجهات المختصة سريعاً لاتخاذ الإجراءات القانونية ضد المخالف من رجال الإدارة بل والعمل على إزالة المخالفة فوراً. وصرح وزير الداخلية السابق اللواء منصور العيسوي لإحدى لجان نقابة المحامين بتفقد السجن وكانت اللجنة تضم أعضاء في جماعة “الإخوان المسلمين” بحكم مواقعهم في منظمات حقوقية ومجلسي الشعب والشورى والمستشار محمود الخضيري وكنت مرافقاً هذه اللجنة التي حضرت إلى سجن المزرعة في الساعة السادسة مساء بعد مواعيد غلق السجن، وقامت بالمرور على كل أجزاء السجن ومستشفاه والعنابر المحجوز فيها رموز النظام السابق. ودخل أعضاء اللجنة عنبر المسؤولين السابقين ورهبة الموقف تملأ قلوبهم، وصدق الجميع بأنه لا توجد أية استثناءات، فلا مكيفات هواء ولا أطباق فضائية ولا أي شيء يخالف التعليمات، وسأل بعضهم هل يمكن دخول الزنازين؟ فكانت الإجابة بعدم جواز ذلك، لأنه قبل الدخول على أي نزيل لا بد من أخذ موافقته على الزيارة، وفقاً لتعليمات مصلحة السجون، فلا يجوز إجبار سجين على استقبال من لا يرغب في لقائه، وقطعاً كان السجناء يرفضون لقاء أي من أعضاء الوفد وهم في مثل هذه الظروف. وكانت هذه اللجان خير دليل على عدم مخالفة اللوائح أو التعليمات.
العادلي وطلعت مصطفى عارضا نقلهما إلى عنبر جديد
* لماذا تم تفريق رموز النظام السابق بعد زيارة هذه اللجان السجن؟
– الأمر ببساطة، أنه بعد أحداث 25 يناير واقتحام بعض السجون قامت إدارة القطاع بنقل بعض المساجين العاديين المتهمين بممارسة النشاطات الإجرامية المعروفة بـ “جرائم النفس والقتل والسرقة بإكراه”، إلى سجن المزرعة، وهم من الممنوعين من الإقامة فيه لأنه مخصص للمسجونين من غير أصحاب النشاط الإجرامي الخطير، كالمتهمين في قضايا الأموال العامة أو الجرائم الخفيفة، كي لا يختلط المسجونون من ذوي النشاط الإجرامي بغيرهم من الفئات، لكن بسبب حالات العصيان التي شهدتها بعض السجون وأدت إلى إتلاف بعض الزنازين والعنابر، مثل سجن القطا، قمنا بنقل عدد منهم إلى سجن المزرعة. وتم تسكين بعضهم في عنبر ملاصق للعنابر والزنازين المخصصة لرموز النظام المحبوسين.
وهذا الوضع استوجب زيادة أعداد أفراد الأمن داخل هذه العنابر وداخل السجن وخلف أسواره. ما أضاف عبئاً على إدارة السجن، فقررنا نقل هؤلاء المساجين من ذوي النشاط الإجرامي إلى سجون أخرى بعد تحسن الوضع الأمني، كسجن الاستقبال أو سجن ليمان طرة كإجراء احترازي، خشية تعدي أحد هؤلاء المسجونين على رموز النظام المحبوسين.
كان الانفلات الأمني في أوجّه، وكان المساجين من آن لآخر يؤرقون إدارة السجن بحال من العصيان والانفلات والخروج عن المألوف بشتائم وهتافات وتعدٍ على أنفسهم والآخرين وإحراق البطانيات ومحاولات الشد والجذب مع الحراس. وتم نقل هؤلاء المساجين بعد السيطرة عليهم وفي أمان تام، وبذلك تم إخلاء العنبر الملاصق لزنازين رموز النظام.
ونقل وزير الداخلية الأسبق حبيب العادلي ورجل الأعمال هشام طلعت مصطفى ووزراء الإسكان أحمد المغربي والسياحة زهير جرانة والبترول سامح فهمي إلى هذا العنبر، وكان حبيب العادلي من أكثر النزلاء تأثراً ورغبة في الاستمرار والإقامة في زنزانته الأولى، وظل ممتنعاً لفترة إلى أن وافق على النقل على مضض، وبصعوبة بالغة استجاب لتعليمات الإدارة. كان الوقت حينها في الليل فطلب منا تأجيل الأمر إلى الصباح حتى لا يراه “العساكر” في هذا الموقف، لكن الإدارة رفضت طلبه فاستجاب قائلاً: “نحن مع التعليمات، سأنصاع لها فلا بد أن أكون قدوة مهما كان القرار صعباً”. وجمع حاجاته وتوجه إلى زنزانته الجديدة.
وكان من ضمن المتأثرين جداً بقرار النقل هشام طلعت مصطفى، وسأل عن السبب، قائلاً: “نحن لا نخالف تعليمات ولا لوائح الإدارة وملتزمون تعليمات السجن، فما سبب هذا الإجراء، ما سبب نقلنا”، لكنه نفذ النقل، والحقيقة كان الرجل من أكثر الناس التزاماً وانضباطاً بالتعليمات، لكنه تأثر بشدة بهذا القرار حتى إننا أحضرنا طبيب مستشفى السجن ليقيس له ضغط الدم بعدما بدا في حال سيئة.
* تركت الخدمة في مصلحة السجون قبل وصول مبارك إلى السجن، هل كان هناك شعور بينكم كمسؤولين أو بين السجناء أنه سينقل من المستشفى لينضم إلى فريق السجناء؟
– كان الكل على يقين بأن أحداً لم يعد “كبيراً” على السجن.