لم يعد محمد أوزين يخفي خلافاته مع جامعة كرة القدم، فمنذ أن تحمل حقيبة وزارة الشباب والرياضة، وهو يقدم إشارات سواء بالواضح أو بالمرموز، مفادها أنه الوزير، وهو الذي يمثل سلطة الوصاية، والمفروض على الجميع أن يقر بذلك.
وقد استغل ديمومة أزمة النتائج بكرة القدم، ليشن هجوما مضادا، الهدف منه الوصول إلى غرضين أساسيين، أولا تأكيد الوجود وتبرئة الذمة، وثانيا ضرب الحوت الكبير لتخويف الأسماك الصغيرة.
من الناحية القانونية، فالجامعة مفوضة من طرف الوزارة لتسيير هذا النوع الرياضي، لكن للواقع قوانينه الخاصة، فجامعة كرة القدم كانت ولا زالت وستبقى، في الأمد المنظور على الأقل، خارجة عن سلطة الوزارة الوصية، والسبب وبكل بساطة أن أمر رئاسة هذه الجامعة، تتم مناقشته والحسم فيه خارج نطاق الوزارة والأندية والعصب، وكل هذه الأجهزة المكونة للهرم، يطلب منها القيام بدور الكمبارس والمصادقة والمباركة عن طريق التصفيق.
طيلة تاريخ الرياضة الوطنية، تمكن وزير واحد من فرض سيطرته على كل الأجهزة، ليس فقط الجامعات، بل حتى اللجنة الأولمبية، ألا وهو المرحوم عبد اللطيف السملالي، الذي لا زالت تصنفه الأوساط الرياضية حتى الآن، كأحسن وزير تحمل مسؤولية تسيير الشأن الرياضي بالمغرب، والدليل على ذلك النتائج الكبيرة التي تحققت في عهده بفضل بروز أبطال تاريخيين، والتظاهرات الكبرى التي نظمت في فترته، والمنشآت الكبرى التي شيدت خلال الحقبة التي تحمل فيها مسؤولية هذه الوزارة.
من الصعب أن يكون أوزين سملالي آخر، لأن الظروف والمعطيات تغيرت، وقبل أن يصل أوزين إلى قلعة علي الفاسي الفهري، المحصنة ضد الاختراقات، كان عليه أولا النظر إلى واقع اللجنة الأولمبية الوطنية الخارجة عن الشرعية منذ سنوات، ومع ذلك لم ينبس ببنت شفة، والسبب معروف ولا يخفى على أحد، لكننا نجده في حالة هذه اللجنة، يداري فقط، تفاديا للمواجهة قد يكون فيها الخاسر الأول والأخير.
خلال جلسة اللجنة الاجتماعية بمجلس النواب السنة الماضية، سأل أحد نواب فريق العدالة التنمية الوزير قائلا: “هل تمت استشارتك بخصوص تعيين رئيس جديد لجامعة الفروسية؟”. فسكت شهريار عن الكلام المباح، ومر عن السؤال كأنه لم يطرح، بل راح يتحدث عن العموميات والمواضيع المستهلكة والرائجة، والمزايدة عن طريق توجيه انتقادات لاذعة للوضع الرياضي المتعفن أصلا.
جامعة علي الفاسي الفهري، رفضت تطبيق مذكرة الوزارة بخصوص عقد الجموع العامة قبل متم سنة 2012 بدعوى وجود مجموعة من الالتزامات والاستحقاقات والمواعيد الهامة، منها كأس إفريقيا للأمم، لكن انتهى “الكان”، ولم تنته المماطلة، والمبرر الآن هو إقصائيات كأس العالم، وبعدها قد تكون حججا أخرى، منها المقبول وغير المقبول، لكن الخلاصة هي أن هذه الجامعة لا زالت خارجة عن السيطرة.
وليست جامعة الفهري وحدها الخارجة عن سلطة الوزارة، بل هناك جامعات تدين بالولاء لرئيسها فقط، كجامعة الملاكمة التي لا يعرف أي أحد حقيقة حساباتها المالية، ثم جامعة ألعاب القوى التي لم تجب بعد حول مذكرة الوزارة بخصوص ملف المنشطات، كما أخرت جمعها العام إلى ما بعد المهلة المحددة من طرف الوزارة، وهناك جامعة الكراطي التي شيد رئيسها مقرا بالقوة وبمكان غير مناسب بجانب مركب مولاي عبد الله بالرباط الذي تعود ملكيته للوزارة، وهناك وهناك…
والغريب أن أوزين يركز فقط على كرة القدم، بينما تعيش مجموعة من الجامعات وضعية مأساوية، لم يسبق لها مثيل منذ فجر الاستقلال، فجامعة كرة السلة تعيش منذ شهور عديدة جمودا غير مسبوق، بسبب خلافات وتطاحنات أدت إلى تشتيت أسرة كرة السلة الوطنية، وبالتالي إلى تأخر انطلاق البطولة.
جامعة التايكواندو بدورها وصلت إلى الطريق المسدود من جراء صراعات أعضائها، السباحة غرقت ولا من منقذ، نفس الشيء بالنسب لكرة اليد، الشطرنج، المسايفة … كل هذه الجامعات وغيرها تعيش مأساة حقيقية اجتمعت دفعة واحدة في عهد أوزين، دون أن يتمكن هذا الأخير من إيجاد الحلول المطلوبة، بصفته يمثل سلطة الوصاية، والمفروض أن يعيد الأمور إلى نصابها، وإعادة العجلة إلى الدوران بالإيقاع المطلوب الذي يحفظ استمرار النشاط الرياضي أولا، ثم العمل على تطبيق القانون، وضمان التوازن المطلوب داخل كل نوع رياضي على حدة.
هناك جامعة صورية أنشئت على عجل أيام منصف بالخياط الذي خصص لها ميزانية مهمة، وسماها جامعة الرياضة للجميع، لكن الوزير الحالي، جعل موضوعها من آخر اهتماماته، رغم أن البعض يتحدث عن وجود اختلالات على مستوى صرف ميزانيتها المهمة قياسا بباقي الجامعات الصغيرة، المطالبة بتنفيذ مجموعة من الالتزامات الوطنية والدولية.
يحدث هذا، بينما الوزير يركز على جامعة كرة القدم دون غيرها، ونحن هنا لا ندافع أبدا على جهاز علي الفاسي الفهري، بل بالعكس فوضعيته الشاذة تعتبر إدانة حقيقية للتسيير الرياضي على الصعيد الوطني، لكن ورغم ذلك فهي من أنشط الجامعات على الصعيد الوطني، كما لا تعيش أي فراغ تقني أو إداري، بل تحافظ على وجود أساسي داخل المنظومة الرياضية.
نحن الآن أمام اختبار قوة حقيقي، فالجامعات “السيادية” واقع لا يرتفع، والوزير في سباق مع الزمن لتأكيد الوصاية، متسلحا في ذلك بتصريحات يطلقها يمينا ويسارا، ومركزا على الإذاعات الخاصة، إلى درجة يتخيل للمستمع أن الوزير تحول إلى منشط إذاعي، من كثرة الحوارات والتصريحات والاستضافة.
الوزير أعطى مهلة لجامعة الكرة إلى غاية صدور المقرر التنظيمي الموجود في الأمانة العامة للحكومة، ليتم بعد ذلك وكما وعد بذلك حل الجهاز الجامعي في حالة بقائه خارج القانون، وفق ما ينص عليه الفصل 31 من قانون التربية البدنية، الذي ينص على “حل كل جهاز جامعي يصبح مضرا بالنشاط الرياضي المشرف عليه، أو يخل بالتشريعات الجاري بها العمل أو مشوب بخرق في أنظمته الأساسية”.
حسب الوزير دائما، فإن أبغض الحلال هو حل أي جامعة من الجامعات الرياضية، لكن أقبح المحرمات هو وجود وزير بدون صلاحيات، وهذا سر الصراع المندلع بين مختلف التنظيمات الرياضية على الصعيد الوطني، وننتظر من الوزير تنفيذ التهديد بحل جامعة كرة القدم وعندها نقول له : “برافو مسيو لو مينيستر…”.
محمد الروحلي- يومية “بيان اليوم”