لطالما عودتنا أرض الكنانة بميلاد وتخريج عمالقة الفنانين العرب، فنانين طبعوا فن التمثيل بطابع خاص وملكوا قلوب العرب لعقود من الزمن، ولا زالت مصر العروبة أرضا خصبة تجود بالفن وأهله، من منا لا يعرف عادل إمام، نور الشريف، فاروق الفيشاوي.. من منا نسي أحمد زكي والقائمة تطول.
لكن ضيفنا اليوم لا يقل وزنه عمن ذكرنا من الممثلين المصريين، إنه ابن القاهرة العريقة، ازداد في ستينيات القرن الماضي، واستهل حياته الفنية بتخرجه من المعهد العالي للفنون المسرحية، بعدها تفرغ للسينما ولعب أول دور بطولة في فيلم “غرام الأفاعي”، ليصبح له العديد من المسلسلات والأفلام الناجحة والتي حصلت على العديد من الجوائز القيمة.
إنه النجم والفنان المتألق “هشام عبد الحميد” الذي التقيناه في مرتيل على هامش مهرجان السينما واستقبلنا بتواضعه المعهود وبسمته الجميلة، فحدثنا عن مشاركته كعضو لجنة تحكيم للمهرجان، وكذا عن فيلمه الأخير وهو الفيلم الصامت “لا” الذي حظي بسلسلة من النجاحات والشهادات التقديرية في الولايات المتحدة الأميركية وكندا وغيرهما من الدول الأخرى. وهو من إنتاجه وإخراجه وتمثيله،.وقد اعتبر “هشام عبد الحميد” الفنان العربي الثالث الذي يحظى بشهادة إشادة من الكونغرس الأمريكي بعد عمر الشريف و مصطفى العقاد.
لقد حظيت مرتيل خلال هذه الدورة بشرف تقديم هذا الفيلم نظرا لأن المغرب أول دولة عربية يعرض فيه فيلم “لا” الناجح بكل المقاييس..
أهلا بالنجم “هشام عبد الحميد” في موقع أكورا بريس، بداية ما رأيك في المهرجانات أو التظاهرات الثقافية خاصة وأنك عضو لجنة تحكيم لمهرجان السينما بمرتيل لهذه الدورة؟
بالنسبة لي فإنني أرى أن المهرجانات هي مسألة مهمة جدا للتواصل والاحتكاك والتفاعل فيما بيننا وبين الآخر، خاصة أن الآخر دائما يحتاج إلى التعرف علينا والتواصل معه وعرض له همومنا وأفكارنا وثقافتنا، وأيضا لكي نتعرف عليه أكثر فأكثر، والمهرجانات عموما هي وسيلة للتأثير والتأثر وهذا شيء مهم ومطلوب.
هل جسد الفنان “هشام عبد الحميد” الأوضاع التي مرت منها مصر في أعماله الأخيرة وأقصد الثورة المصرية ؟
بداية أنا لا أريد أن أقول أن الفن هو مرآة للواقع كما يقال أحيانا، إنما أقول أن الفن صياغة ذاتية للإبداع أو المبدع من خلاله آو من خلال وجهة نظره، وإذا سلمنا بهذا التعريف فانا طبعا قدمت أكثر من عمل يعكس وجهة نظري خصوصا العمل الأخير لي، والذي أتشرف أنني أنتجته، وقدمته، وأخرجته، ومثلثه، وهو عمل “لا” الذي يعتمد على 19 لوحة على الإيماء واللافتة والحركة والإشارة مع الموسيقى..
وفيلم “لا” هو صرخة احتجاج ضد القمع والظلم والقهر، وهي صرخة في البرية للمزيد من الحرية، ومزيدا من حرية الفكر والثقافة وحرية الإنسان عموما، وطبعا يتعرض لربيع الثورات العربية، وكانت ربيع الثورات العربية هي الهدف وهي الملهم لعمل هذا الفيلم وهذا الفيلم فاز بجائزة التميز في مهرجان “أندى” للسينما المستقلة في لوس أنجلس، ثم لحقه إشادة من الكونغرس الأمريكي، وبهذا أصبح ثالث فنان عربي يحصل على بعد “عمر الشريف” و”مصطفى العقاد” على هذه الإشادة، أيضا أخذت إشادة من البرلمان الكندي بعدما عرض الفيلم في تورنتو وكان حضورا كثيفا وعرضا ناجحا، كلل بالإشادة من البرلمان الكندي عن هذا الفيلم، وقد دخل مهرجانات كثيرة، ومثل فيها مصر، وأنا أتمنى أن يكون هناك أكثر من عمل على هذا المنوال لأن هذه الأعمال تعرفنا للأخر بشكل صحيح، فنحن لم نكسر السفارات ولم نقتل الناس، وليس بهمجيين،.. نحن نريد أن نتعايش مع الأخر في مجتمع إنساني واحد وتحت ظل معاني سامية للحق والخير والجمال.
هل هذا يعني أن الممثل أو الفنان بصفة عامة ملزم بالتعبير عن جميع قضايا عصره والأحداث الراهنة؟
كما سبق أن قلت، هي مسالة صياغة ذاتية للإبداع من خلال المبدع، فالمبدع له وجهة نظره وله رؤيته للأشياء الخاصة، ولا أريد أن أقول إن كل المبدعين يجب عليهم أن يقدموا ويكونوا للمرحلة الآنية معاصرين لها، ولكن أنا شخصيا لا أستطيع أن أبقى بمعزل عن المتغيرات السياسية والاجتماعية والثقافية الموجودة سواء في بلدي أو في المنطقة العربية أو في العالم.
إذن كيف يستطيع الفنان أن يكون فاعلا في المجتمع ويساهم في تغييره خاصة في الأوضاع الحرجة؟
الفنان دائما له دور، وهو الدور التنويري، والطليعي في مقدمة المجتمع، وهو الذي يمهد للطريق الصحيح من خلال أعماله، وأنا أرى أن دور الفنان الحقيقي هو في فنه وإبداعه وفي أعماله لكن لا أقول إنني اختلف مع الآخرين لكي يجنبوا هذا الدور الأساسي، ولكي يحل محله دور جهادي، ثوري، تظاهري، أثناء المظاهرات، والسياسة ويصبح بعد هذا شيئا فشيئا السياسة هي الغالبة على صورة الفنان، لكن ليس معنى هذا أنني أربط الفنان كي يبقى له موقف سياسي..لكن في النهاية الفنان كما سبق وقلت قبل قليل هو له دور تنويري في المقام الأول، وبذلك يصبح مسئول مسؤولية حقيقية عن منظوره للأشياء وكيفما يقدمها من خلال إبداعه، ونحن لدينا أمثلة كثيرة جدا في التاريخ الإنساني، فمثلا عندنا “بيكاسو” الذي رسم لوحته الشهيرة “جيرنيكا “عندما ضربت قرية جيرنيكا، فانفعل ورسم اللوحة الشهيرة لأنه تألم لهذه المذبحة وهذه المجزرة التي حدثت من الديكتاتور السابق، لكي يجعلها عبر التاريخ شاهدة على وحشية وقمع وديكتاتورية ديكتاتور سابق.
حدثنا عن تجربتك الجديدة في عالم الاخراج مع فيلم “لا” والذي سيعرض في سينما الريف بمرتيل، حيث سيكون المغرب أول دولة عربية يعرض فيه هذا الفيلم؟
في الحقيقة فيلم “لا” كنت سأقدمه على المسرح بدار الأوبيرا المصرية لما انفعلت مع الثورة، وكان سيكون عرض مسرحي مونودراما يتخلله أيضا ديكومنتري وتتخلله موسيقى، وعندما حدثت اقتحامات لمسرح البلون، ومسرح آخر، كان الموقف ملتهبا شديد الالتهاب فألغيت العرض، ومن هنا جاءت فكرة توثيق هذا العرض على شريط سينمائي، ونجعل له شكل تجريبي كفيلم سينمائي مختلف، ليس تقليديا، ولا يعتمد على الحدث البسيط الذي يقوم على البداية والوسط والنهاية، وإنما يقدم لنا قفزات مختلفة ومتناثرة، لوحات من هنا وهناك، تبدو متناثرة في مشاهدتها ومتابعتها، ولكن هي في النهاية ترتبط بخط فكري واحد وبتصور واحد،.. وقد الحقيقة احترمت ناقدا من النقاد عندما شاهد هذا الفيلم وشبهه بالشعر الحر لان هذا الفيلم لا ينطبق عليه الشعر الأصلي أو القواعد الأساسية أو القواعد الأرسطية، إنما نستطيع أن نقول بشيء من التأكيد وبشيء من الفخ، أنه ليس هناك تشابه في هذا الفيلم في بنائه الدرامي بالبناء الدرامي الأرسطي وإنما هو بشيء مختلف.
ماهو جديدك سواء في عالم السينما أو التلفزيون؟
لدي أشياء كثيرة لا أريد أن أفصح عنها لأنها لن تصبح مفاجاءات، ولكن عندما تتحقق هذه المفاجئة وترى النور سترون وستجدون وستكونين أول من يعلم بذلك، وسأعلن عنها في موقعكم الالكتروني المحترم “أكورا بريس”.
كلمة أخيرة للجمهور المغربي المتتبع لك دائما؟
بهذه المناسبة أريد أن أقول أنني أحب المغرب حبا شديدا، وتأثرت تأثرا بالغا برحابة الشعب المغربي وحبه وتقديره، وإنا لا أريد أن أقول الشعب المغربي، لكن ما أريد ان اقوله وما أحسسته هو أنهم فعلا إخوتي وأسرتي وأصدقائي وصديقاتي في هذا البلد الجميل، هذا البلد يقدر فعلا حق التقدير لكل إبداع ولكل فكر ولكل ثقافة، ويحترم حرية الإبداع والفكر ويحترم التذوق الفني ويحترم القيم التي كنا كلنا نحلم بها ونتطلع إليها، وهي قيم الحق والخير والجمال، أشكر إخوتي وأخواتي وأصدقائي وصديقاتي في المغرب، الأسرة الثانية والبلد الثاني لي، اشكرهم كثيرا وأرجوا وان أكون منهم دائما في تظاهرات ومهرجانات أخرى، وأيضا في حياتي العادية، نتحادث ونتسامر ونلتقي بعضا.