فيضانات إسبانيا: سانشيز يعرب عن شكره للمملكة المغربية على دعمها لجهود الإغاثة في فالنسيا
“… أسلوب التدبير المعتمد من قبل المجالس المنتخبة التي تعاقبت على تسييرها، والصراعات العقيمة بين مكوناتها، وكثرة مهام أعضائها وازدواج المسؤوليات رغم وجود بعض المنتخبين الذين يتمتعون بالكفاءة والإرادة الحسنة والغيرة على مدينتهم… المشكل الذي تعاني منه العاصمة الاقتصادية يتعلق بالأساس بضعف الحكامة.. رغم أن ميزانية المجلس الجماعي للدار البيضاء تفوق بثلاثة إلى أربعة أضعاف تلك التي تتوفر عليها فاس أو مراكش، مثلا، فإن المنجزات المحققة بهاتين المدينتين في مجال توفير وجودة الخدمات الأساسية تتجاوز بكثير ما تم إنجازه بالدار البيضاء…”، مقتطف من خطاب الملك في افتتاح الدورة البرلمانية الجديدة.
عندما انتقل جلالة الملك محمد السادس في خطابه إلى الحديث عن مشاكل العاصمة الاقتصادية للمملكة، وجدت نفسي واحدا من سكانها المعنيين بتحمل غياب فاضح للحكامة ولاسيما في مجال السير والجولان. فكل يوم أجبر على أخذ حصتي، ذهابا وإيابا، من عذاب الفوضى المطلقة على مستوى التنقل من مقر سكني قرب “ملتقى أوروبا” إلى مقر العمل في عين السبع (حوالي ثمانية كيلومترات). خمس وأربعون دقيقة على الأقل في الذهاب ومثيلتها في طريق العودة إلى المنزل، تسعون دقيقة كل يوم من عذاب الاختناق المروري. أليس هذا المثال لوحده كافيا للإقتناع بأن الدارالبيضاء غير صالحة للعيش!..
خطاب عاهل البلاد في افتتاح السنة التشريعية الجديدة، في المحور المتعلق بالدارالبيضاء، أعتبره مؤسسا لانبعاث جديد للعاصمة الاقتصادية، إنبعاث يستند إلى المعالجة الديناميكية والمبتكرة لحلول تقطع مع الفوارق المجالية والتفاوتات الاجتماعية التي “تبتلع” كل مجهودات الدولة على صعيد الاستثمارات والتجهيزات.
وأعتقد أن صياغة جديدة لمستقبل “كازابلانكا” اعتمادا على مرجعية الخطاب الملكي، يجب أن تنطلق، أولا، من تسطير برامج للتكوين والتكوين المستمر موجهة لتحسيس المنتخبين المحليين المستقبليين، لا الحاليين، بأهمية “الحكامة الترابية والمحلية المستديمة” من أجل تحسين مستوى عيش الساكنة البيضاوية. وهذه البرامج التكوينية يجب أن تكتسب طابع الجودة والديمومة، لأن الدولة مقبلة على مشروع مهيكل وتاريخي: الجهوية المتقدمة، وهو المشروع الذي نريده جميعا عاملا للتقدم الاجتماعي والديموقراطي والاقتصادي.
من الواضح أن الملك عبر، في خطابه، عن قلقه على مستقبل المدينة، لذلك طالب ب “تشخيص عاجل يحدد أسباب الداء وسبل الدواء”.
أسباب الداء، في اعتقادي، تكمن في نوعية المنتخبين المحليين الذين يدبرون شؤون البيضاويين، فأغلبهم لايتوفر على الحد الأدنى من الخبرة والمعرفة لتلبية الاحتياجات الأساسية للساكنة. ولم يعد بالإمكان التساهل مع التدبير بطريقة عشوائية فيها نوع من التهكم الإرادي على السكان. وإلا كيف يمكن أن نفهم تجند مجلس المدينة والمجالس المنتخبة كلما اقترب موعد حلول ملك البلاد بالدار البيضاء، لتنظيف الشوارع من الأزبال والأوساخ وصباغة الجدران والأرصفة وتشجير الممرات الطرقية… خوفا من “غبضة ملكية”. وهذه حقيقة مرة يعرفها الملك وكل سكان “كازابلانكا”.
وفي المحصلة، لايمكن أن تستقيم الحكامة الترابية والمحلية الجيدة، كما ينشدها الملك والمواطنون، مع التجربة الحالية لمجلس المدينة الذي قضى غالبية ولايته حتى الآن في الإشتباكات الكلامية والتأجيلات المتعمدة للإجتماعات والحروب الإعلامية بين الأغلبية والمعارضة. وهذه التجربة ينبغي أن تخضع لتقييم شامل ومسؤول لمعرفة حجم الخسائر التي تكبدتها المدينة على مستوى تعميق التفاوتات المجالية والفوارق الاجتماعية.
هي تجربة للنسيان، علما أن المسؤولين المحليين يفهمون جيدا الواقع المتردي الذي تعيشه كبرى مدننا، سكانا وثقلا اقتصاديا. وهذه هي الطامة الكبرى.
“المشكل الذي تعاني منه العاصمة الاقتصادية يتعلق، بالأساس، بضعف الحكامة”، انتهى كلام جلالة الملك.
فكيف ننتقل بالحكامة من وضعية “الضغف” إلى وضعية “القوة”؟..
بالنسبة إلي، لا أرى إلا جوابا واحدا: انتظار موعد الانتخابات الجماعية المقبلة، وهو فرصة حقيقية أمام البيضاويين لاختيار جيل جديد من المنتخبين المسلحين بالتكوين العالي والديناميكيين والمالكين لمؤهلات الابتكار وقدرات التغيير والمؤمنين بحق الساكنة المحلية في تحسين مستوى عيشها.
ببساطة، الهدف من الحكامة الترابية والمحلية هو جعل كل مشاريع تحسين تدبير الخدمات ومبادرات التنمية المحلية في خدمة المواطن-الناخب، مع إيلاء اهتمام خاص للشباب، عبر إدماجهم في الحياة الجماعية عن طريق تعزيز مشاركتهم في الحياة السياسية المحلية ودعم قدراتهم وتشجيع مبادراتهم ومشاريعهم.
في انتظار ذلك، يتجدد موعدي اليومي مع عذاب التنقل إلى العمل، ذهابا وإيابا.