“أنا صحفي حقوقي وعندي قناعات وأفكار تجعلني تلقائيا في الصف المعارض للظلم والاستبداد”.
بهذا الاستهلال الرنّان على نغمة الإيقاعات السائدة حاليا، والتي يظن الراقصون على شذراتها أن تموجاتهم تستهوي المهتمين بالشأن الحقوقي. طلع علينا واحد، ممن نصبوا أنفسهم كأعضاء داخل الجسم الصحفي، وكمناضلين حقوقيين ليتحفنا بـ”قصيدة نثرية” تستحق تصنيفها ضمن “المعلقات السبع” في هذا الزمان، يسرد فيها حقائقه المستوحاة من إلهام الزمن التأملي خلف أسوار سجن القنيطرة.
صاحبنا “الصحفي الحقوقي” خط مقاله المطول تحت عنوان “ابتزاز بلون التعاون ورشوة بطعم الدعم” (ولكل مهتم بالمجال الصحفي المهني واسع النظر في تصنيف صاحبه انطلاقا من محتواه وصياغته)، ونشره في أحد المواقع الإسلاموية الموجود مقره بلندن، لينعت المغرب بالابتزاز والرشوة في تعامله مع شركائه الخارجيين في موضوع الإرهاب.
إنه المنطق الانتهازي المشفوع بالنفاق النضالي. فالتوقيت مواتي لنشر مثل هذه الكتابات، خصوصا وأن المغرب استقبل مؤخرا ممثلين أمميين في مجال حقوق الإنسان (علما أن اعتقال صاحبنا مستمر مند شهر يونيو) والنضال الحقوقي بنشر البهتان والكذب على الإنسان مستساغ في شريعة المؤمنين بـ”الغاية تبرر الوسيلة”، غير آبهين بذكاء المغاربة ولا بحسهم الثاقب لكشف النفاق.
مصطفى الحسناوي المعتقل على خلفية قانون الإرهاب، معروف في الأوساط التكفيرية، فقد سبق وأحسن اختيار من يخالطهم تبعا لأفكاره وقناعاته، ويخوض في قضاياهم التي يتبناها، حتى يقرر الالتحاق بالصفوف الجهادية في المستنقعات الجهادية.
وها هو اليوم يؤكد ذلك بأن اصطفى الحائط الالكتروني المناسب ليعلق عليه مدونته التي تنفث البهتان.
وقائع مصطفى الحسناوي تثبت أنه سبق له سنة 2009 مصاحبة الجهادي في صفوف القاعدة عبد العظيم الكبير المعتقل حاليا بألمانيا، إلى الديار التركية، حيث كانا قرار الالتحاق بالمناطق الحدودية بين باكستان وأفغانستان عبر إيران، رفقة صهر عبد العظيم الكبير، وجهادي آخر منحدر من مدينة الرباط.
خلال هذه الفترة، أقام الحسناوي مع رفاق مشروعه الجهادي في مكان آمن بالمنطقة الحدودية التركية المسماة “يوكسيكوفا”، في انتظار أن يسعفهم الحظ بمساعدة أحد الأتراك، الذي كان مكلفا بتسريبهم سريا إلى منطقة “زاهيدان”.
ففي الوقت الذي نجح فيه عبد العظيم الكبير بفضل جواز سفره الألماني، في بلوغ إيران ثم وزيرستان، حيث أقام في حمى “الجماعة الإسلامية الأزبكستانية”، واستفاد بين ظهرانيها من تدريبات شبه عسكرية، لم يتأت ذلك للحسناوي.
غير أن إحباطه في بلوغ نفس الهدف بعد فشل المحاولة سنة 2009، لم يزده إلا إصرارا انطلاقا من قناعاته وأفكاره، ليعاود الكرّة في بداية مايو من السنة الجارية، وهذا ما كان سببا في اعتقاله من طرف السلطات التركية وترحيله إلى المغرب.
أن يؤمن الإنسان بقناعاته وأفكاره التي يدافع عنها شيء جيد، والأجود منه أن يتحمل مسؤوليته كاملة في تبعات هذا الإيمان، دون تنصل أو تخاذل عند أول منعرج.
فليرحم الله المناضلين الكبار، الذين عارضوا بشموخ ورأس مرفوع، وثبتوا على ذلك حتى في أحلك لحظات نضالاتهم في الستينات والسبعينات من القرن الماضي، وهذا ما زاد من مصداقيتهم وأسمع صوتهم لدى الداخلي والخارجي.
أما أن يرفع المرء الشعارات الرنانة ويدّعي الاصطفاف بجانب أهل الشموخ، ثم يهرول لينفي كل شيء، ويتشدق بالباطل من أجل استرجاع رفاهيته، فالأجدر به أن يتأمل مليا في مقولة المغاربة الأحرار: “لي كيشطح ما كيخبيش لحيتو”.