يومية بريطانية تسلط الضوء على المؤهلات التي تجعل من المغرب الوجهة السياحية الأولى في إفريقيا
تركت السياسة القطرية بصماتها على مسارح «الربيع العربي» وإن بنسب متفاوتة. ثمة من يتهمها بتوظيف قدراتها المالية والسياسية والإعلامية لتحويله ربيعاً إسلامياً. وهناك من يتحدث عن برنامج أميركي لتطويع هذا الربيع وضمان وصول الإسلام السياسي المعتدل لاحتواء الإرهاب والإرهابيين. ويقول هؤلاء إن هذا التوجه حظي بدعم وكيلين إقليميين هما قطر وتركيا.
لا يتحدث رئيس الحكومة الليبية السابق محمود جبريل من باب فتح الجروح أو تصفية الحسابات. يشدد على ضرورة قراءة الأخطاء بهدف التصحيح والتعاون في بناء المستقبل.
يكشف جبريل أن قطر سعت ومنذ البداية إلى تنصيب عبد الحكيم بلحاج (الأمير السابق للجماعة الإسلامية المقاتلة) قائداً لثوار ليبيا وعارضت جمع السلاح من الثوار بعد انتصار الثورة. وهنا نص الحلقة الثالثة:
> يحمل بعض الليبيين قطر مسؤولية تصاعد نفوذ تيار الإسلام السياسي بعد انتصار الثورة واحتفاظ عناصره بالسلاح. هل كانت قطر منحازة وما هو الدليل؟
– الانحياز القطري إلى تيار الإسلام السياسي لم يكن ادعاء، فالثورة الليبية مرت بمواقف كلها تصب في هذا الاتجاه، ويمكن أن أسرد بعضها.
منذ الأسابيع الأولى للثورة بدأت ترد بعض الأخبار عن أن هناك لقاءات يعقدها رئيس الأركان القطري مع بعض الشخصيات الليبية المحسوبة على تيار الإسلام السياسي والتي كانت في أفغانستان مثل الأخ عبدالحكيم بلحاج. وكانت تلك مراحل تشكيل جبهة قوية ضد نظام شرس، وكنا نرى أن كل القوى الوطنية الليبية بتياراتها المختلفة مدعوة الآن للوقوف في وجه هذا النظام.
بدأت بعض المواقف المنحازة إلى هذا التيار تتضح. ربما كان الموقف الأول قبل انتفاضة طرابلس بحوالى ثلاثة أيام في آب (أغسطس) إذ كان متفقاً أن تتم الانتفاضة بداية يوم 14 تموز (يوليو) بناء على طلب من الرئيس ساركوزي، وكنا شكلنا غرفة عمليات «انتفاضة عروس البحر»، وهو الاسم المشفّر لانتفاضة طرابلس، وهذه الغرفة كانت في جزيرة جربة في تونس، ثم انتقلت إلى مدينة الزنتان جبل نفوسة (الجبل الغربي). كانت البادرة الأولى عندما جاء وزير الدفاع الليبي جلال الدغيلي وأحضر معه السيد عبدالحكيم بلحاج وضابط استخبارات قطرياً ووجدناهم دخلوا إلى غرفة العمليات في جربة وحاولا تقديم الأخ عبدالحكيم بلحاج، من منظور وزير الدفاع الليبي، على أنه هو مَنْ يقود عملية تحرير طرابلس أو عملية انتفاضة طرابلس. الأخ عبدالمجيد المليقطة الذي كان يرأس تلك الغرفة، غرفة عمليات تحرير طرابلس، أغلق جهاز الكمبيوتر المحمول وقال لهما: لا، أنا آخذ تعليماتي من رئيس المكتب التنفيذي محمود جبريل، ولم يسمح لهما بالاطلاع على تفاصيل العمليات.
تكرر الأمر بعد أن اتفقنا على موعد 14 تموز، وأن هناك أسلحة ستأتي من قطر بناء على طلب من فرنسا، ويدخل بها الثوار وينقلونها إلى طرابلس تمهيداً لانتفاضة طرابلس. وصلت الأسلحة إلى بنغازي فعلاً، ثم اكتشفنا أن هذه الأسلحة سرّبها أحد العناصر في التيار الإسلامي من بنغازي، ونقلها إلى الأخ عبدالحكيم بلحاج في الجبل الغربي، بالتالي تعطلت عملية انتفاضة طرابلس.
> هل صحيح انكم حصلتم على اسلحة من السودان؟
– بسبب هذا الأمر تأجلت الانتفاضة في طرابلس وسافرتُ إلى السودان مع بعض الإخوة، أحمد المجبري وفوزي عبدالعال، في محاولة لإحضار أسلحة وقابلنا الرئيس عمر البشير، ووزير الخارجية ورئيس الاستخبارات. وافق البشير على إعطائنا أسلحة وأبدى دعمه وأمر بتزويدنا كل ما نطلب، ووصلت الأسلحة بعدها بحوالى عشرة أيام، لكننا اكتشفنا في ما بعد أن قطر هي التي دفعت فاتورة الأسلحة السودانية. الأسلحة دخلت عبر البحر بقوارب الـ «زودياك» (القوارب المطاطية) إلى بنغازي، إلى أن تمكنا من إيصالها إلى منطقة تقع شرق طرابلس اسمها القرابوللي، وكان أحمد المجبلي هو المسؤول عن إدخال هذه الأسلحة. ومن القرابوللي كانت تدخل بالسيارات إلى ضواحي طرابلس، إذ كانت هناك خلايا مختلفة في سوق الجمعة وفي تاجوراء والساحلية. القطريون كانوا على علم بانتفاضة طرابلس وأشركناهم وأطلعناهم على الخطة، وكذلك الإماراتيون والفرنسيون والبريطانيون. هذه الجهات الأربع كانت تعلم بخبايا تفاصيل خطة تحرير طرابلس.
يوم تنفيذ العملية في 17 آب كان يوافق غزوة بدر – 17 رمضان – وكان من المفروض تنفيذ العملية في وقت أذان المغرب، وقت الإفطار. اتصل بي رئيس الأركان القطري حوالى الساعة الثانية بعد الظهر ليخبرني أنه يرجو تأجيل العملية، لأن قيادة الـ «ناتو» تقول إنها لا تستطيع قصف الأهداف التي كنا طلبنا قصفها داخل طرابلس، والتي هي مراكز القيادة والسيطرة للنظام. كنا حددنا حوالى 28 هدفاً وأعطيت هذه الأهداف لقيادة الـ «ناتو» لتقصفها قبل بدء الانتفاضة لكي نقلل الخسائر في المدنيين. وأبلغني أن مسؤولي الـ «ناتو» يطلبون تأجيل العملية، لأنهم لن يتمكنوا من قصف تلك الأهداف خوفاً على المدنيين، لأن القذافي سحب الكثير من قواته إلى داخل طرابلس. كان أمراً مستغرباً، ولكن كان لا بد من عدم أخذ المخاطرة في هذا الأمر، فاتصلت بغرفة العمليات وأبلغتهم أن هناك طلباً لتأجيل العملية، واتفقنا أن تتم يوم 20 آب الموافق 20 رمضان، فكان التأجيل على مضض، لأن الروح المعنوية كانت عالية داخل طرابلس، والثوار كانوا جاهزين للانطلاق.
في 20 آب تكرر الموقف ذاته مرة أخرى من رئيس الأركان القطري، اتصل بي ظهراً وقال لي: يا محمود، مرة ثانية الـ «ناتو» يطلب التأجيل. قلت له استحالة، لا أستطيع أن أطلب التأجيل أكثر من ذلك، لأن الناس جاهزة وكلمة السر انتشرت (عند أذان المغرب يبدأ التكبير وبعد الأذان مباشرة ينطلق الشباب من المساجد) والاسم المشفّر للعملية هو «عروس البحر»، وعلى رغم ذلك سأتصل وسأبلغ هذا الأمر. عندما اتصلت برئيس غرفة العمليات أغلق السماعة في وجهي، لأنهم لم يكونوا مستعدين لسماع أي حديث من هذا النوع. فعلاً انطلقت الانتفاضة، وبفضل الله سبحانه وتعالى كُلِّلَت بالنجاح. عند دخولنا طرابلس اكتشفنا أن من بين الأهداف الـ28 المحددة حوالى 24 هدفاً كانت دمرت دماراً كاملاً، وليس كما أخبرونا أنهم غير قادرين على قصفها.
التحليل الوحيد أن قطر كانت تحاول شراء مزيد من الوقت ليتمكن الأخ عبدالحكيم بلحاج من أن يستجمع قوات كافية في الجبل ليدخل بها طرابلس، حتى يُعلن أنه هو مَنْ حرَّر طرابلس. على رغم ذلك، في اليوم الثالث ظهر الأخ عبدالحكيم بلحاج في سيارة «لاندكروزر» ودخل باب العزيزية وأجرت معه قناة «الجزيرة» لقاء على أنه هو قائد ثوار ليبيا. كان للأمر وقع المفاجأة على ثوار الجبهات الأخرى، خصوصاً أنه في لحظة الإعلان تلك كان لديَّ موعد مع ولي عهد قطر. كنت في اليوم السابق زرت الأمير الشيخ حمد وطلبت منه أن يرعى حواراً بين الأطراف السياسية المختلفة وتيار الإسلام السياسي، وأن يجتمع مع عبدالرحمن شلقم ومحمود شمام وعلي الصلابي في محاولة للمّ الشمل، لأننا لا نريد للعملية السياسية بعد سقوط النظام أن تتعطل. وأبدى موافقة على هذا الأمر وترحيباً، وقال لي إنه سيكلف ولي العهد الشيخ تميم هذا الأمر، وفعلاً تحدث مع الشيخ تميم وأنا معه، وأبلغه بأن محمود سيمر عليك في الغد لتتفقا على كيفية إجراء هذا الأمر.
معركة طرابلس كانت لا تزال مستمرة في ذلك اليوم الثالث، يوم 23 آب، وتوجهت للقاء ولي العهد. درجت العادة سابقاً أن ألتقيه على ترّاس خارجي للفيلا، لكن ذلك اللقاء تحديداً كان داخل قاعة فيها شاشة تلفزيون كبيرة. كنا جالسين وفجأة أثناء حديثي معه جاء الشيخ حمد بن ثامر، رئيس مجلس إدارة «الجزيرة»، وهمس في أذنه فوجدت أن ولي العهد التفت بالكامل إلى الشاشة وأهملني لحظة نقل «الجزيرة» دخولَ عبدالحكيم بلحاج إلى باب العزيزية، وانفصل عني بالكامل. انسحبتُ وخرجتُ من القاعة، واستقللت السيارة وغادرت، لأن حديثنا انقطع ولم يعرني (ولي العهد) اهتماماً، وأصبح كل تركيزه على الشاشة، فكأن الأمر كان مرتباً ومتوقعاً وأن ما هُمِس في أذنه كان أن «الجزيرة» الآن ستنقل في هذه اللحظة.
عبدالجليل والزيارة «السرية»
بعد التحرير مباشرة كنت أتحدث مع السيد مصطفى عبدالجليل صباحاً من الدوحة، في أمر يخص فرانكو فراتيني، وزير خارجية إيطاليا، وأعتقد أنه كان يوم 25 آب إذا لم تخنّي الذاكرة. قلت له إنني سأكلمه بعد ساعة بعد أن أتحدث مع فراتيني مجدداً. اتصلت به بعد حوالى ساعة، ووجدت هاتفه مغلقاً. فسألت علي البرغثي، مدير مكتب مصطفى عبدالجليل، عن سبب إغلاق الهاتف فقال لي: «ألا تعرف أن مصطفى في طريقه إليكم في الدوحة، وهو في الطائرة حالياً؟». قلت له إنني كنت أكلّمه قبل ساعة ولم أعرف. واستغربتُ حقيقة أنني كنت أتحدث معه من حوالى ساعة فقط ولم يبلغني، ومن المفترض أنني رئيس وزرائه. أذكر أن الأخ محمود شمام والأخ عبدالرحمن شلقم كانا موجودين في الدوحة وأبلغتهما بالأمر. قلت لهما إنني محتار بين أمرين: فبروتوكولياً من المفترض أن أكون في استقباله ومن ناحية أخرى الرجل لم يبلغني بالزيارة ولا علم لي بها. عبدالرحمن ومحمود قالا لي إنهما لن يتوجها إلى المطار ولن يشاركا في الاستقبال. أنا بروتوكولياً كان من الواجب أن أظهر في الصورة حتى لا يُقال إن هناك انشقاقاً. لم يكن في علمي في ذلك الوقت أن سرّية الزيارة كانت مقصودة كي تحجب عني. توجهت إلى المطار فوجدت حمد العطية، رئيس الأركان، ووجدت الأخ عبدالرحمن العطية الذي كان مديراً للديوان (الأميري) في ذلك الوقت ووزيراً للطاقة سابقاً، في انتظار طائرة مصطفى عبدالجليل. عند هبوط الطائرة خرجت معهما للاستقبال فنزل السيد مصطفى عبدالجليل وكان معه عبدالحكيم بلحاج ووزير الدفاع جلال الدغيلي الذي كان منحازاً إلى المشروع القطري ومشروع تيار الإسلام السياسي، وفوزي أبو كتف، وهو من قيادات التيار. فوجئ مصطفى بوجودي فصافحته وحاول تبرير الأمر بأنه توقع أن يكون القطريون أبلغوني بالزيارة، فقلت له: لا علاقة لي بالقطريين فأنا علاقتي بك وكنت أتكلم معك صباحاً ولم تخبرني بهذا الأمر. قال لي: «لا مشكلة، اليوم ليلاً، بعد الإفطار عند سمو الأمير، سنتحدث ونوضح الصورة». قلت له: «أي إفطار؟ أنا لم يوجّه إليَّ أحد دعوة إلى إفطار». فتركته وتوجهت إلى الفندق الذي أقيم فيه. حوالى الساعة الخامسة اتصل بي أمير قطر الشيخ حمد وقال إنه أبلغه بأنني زعلان وقال لي إنه لم يكن يعرف أنني في قطر. قلت له أنا كنت مع الشيخ حمد بن جاسم في الجامعة العربية سوياً، وعدت إلى قطر منذ ثلاثة أيام. فقال لي: «يجب أن تحضر الإفطار». فقلت له: «اعذرني لأنني أقسمتُ ألا أحضره». فقال: «أليس لي خاطر عندك؟». قلت له: «خاطرك كبير عندي، وأنت فوق العين والرأس، لكنني أقسمتُ أنني لن أحضر الإفطار». وفعلاً اعتذرت ولم أحضر.
> ماذا قال عبد الجليل؟
– بعد عودة مصطفى عبدالجليل من الإفطار إلى الفندق، توجهتُ وعبدالرحمن شلقم للقائه، وحدثت مواجهة حادة بيننا على أساس أن هذا الانحراف في الممارسة في هذا الشكل غير مقبول. لا أستطيع أن أجزم، ولكن أعتقد أن القطريين كانوا يثقون بمصطفى عبدالجليل أكثر من ثقتهم بي، أحسوا أنه متعاطف مع التيار الإسلامي، وهو كان أعلن أنه متعاطف مع «الإخوان»، وقال إنه لو قرر يوماً الانضمام إلى أي حزب، سينضم إلى حزب «العدالة والبناء» الذي يمثل «الإخوان المسلمين»، وهذا حقه واختياره. ولكن هو كان يقود ثورة.
حدثت مواجهة حادة، واحتد عبدالرحمن شلقم في الكلام مع مصطفى وكذلك فعلت أنا. مصطفى كان دائماً يبرر بأنه قليل الخبرة السياسية. اكتشفنا في اليوم التالي أن هناك اجتماعاً دعت إليه قطر لرؤساء أركان دول الـ «ناتو» في الدوحة وأن من المقصود ألا يحضر محمود جبريل هذا الاجتماع، باعتباري كنت أحضر اللقاءات السابقة في بروكسيل. افتتح المؤتمر رئيس الأركان القطري، ثم أُعطيت الكلمة إلى السيد عبدالحكيم بلحاج على أنه قائد ثوار ليبيا، وأنا لم أدعَ إلى ذلك الاجتماع، على رغم وجودي في قطر. بلحاج قُدِّمَ إلى رؤساء أركان الـ «ناتو» على أنه قائد ثوار ليبيا ليخطب في الحاضرين كقائد ثوار ليبيا. هذا اللقب كان غريباً، إذ لم يكن هناك مركز «قائد ثوار ليبيا». هذه كانت حادثة مهمة جداً.
أيضاً، في أحد اللقاءات أتى مصطفى عبدالجليل مع وفد وحضرنا اجتماعات مع ولي العهد الشيخ تميم، وأثناء الاجتماع طلب اللقاء بمصطفى عبدالجليل على انفراد. لم يحدث هذا في السابق إطلاقاً، وكان هذا في تموز. خرجتُ وخرج محمود شمام وعبدالكريم بازامة، وكان مرافقاً لمصطفى في تلك الزيارة مع بعض أعضاء المجلس الانتقالي. استمر اجتماعهم على انفراد حوالى 45 دقيقة، وخرج مصطفى فاستقللت معه السيارة وحاولت أن أعرف منه ما دار في ذلك الاجتماع المغلق فرفض، وقال: «كان حديثاً عادياً، وأنهم يريدون فقط الاطمئنان إلى ما يحدث في الجبهات». حتى هذه اللحظة لا أعلم ما دار في ذلك الاجتماع.
موقف آخر أكثر وضوحاً بعد دخول طرابلس، في 1 أيلول (سبتمبر) 2011، عُقد في باريس مؤتمر أصدقاء ليبيا. في مؤتمر صحافي بعد الاختتام، وكنا ديفيد كامرون ونيكولا ساركوزي والأمير حمد ومصطفى عبدالجليل وأنا على المنصة في المؤتمر الصحافي، سألني أحد الصحافيين: الآن سقط النظام، ماذا ستفعلون بهذه الأسلحة المنتشرة؟ فقلت له إن لدينا خطة لاستقرار طرابلس ولجمع الأسلحة وشرائها. فقاطعني أمير قطر أمام الجميع وقال: «الثوار لا يلقون السلاح أبداً، الثوار هم الذين لديهم الشرعية». وكان ذلك طبعاً موقفاً مُحرِجاً وغريباً.
ثم دخلنا إلى غرفة للاجتماعات لجلسة منفصلة للوفد الليبي والوفد القطري، وكان من الجانب القطري: أمير قطر والشيخ حمد بن جاسم والشيخ خالد العطية الذي أصبح الآن وزيراً للخارجية، وسفيرهم في باريس. ومن الجانب الليبي كان حاضراً مصطفى عبدالجليل وأنا ومحمود شمام ومنصور سيف النصر. كنتُ وعدت بتقديم استقالتي فقال أمير قطر: «لا أنت يجب أن تستمر رئيساً لوزراء ليبيا، ولكن لا علاقة لك بالداخلية والجيش». فقلت له كيف؟ هل يوجد رئيس وزراء في الدنيا يكون غير مسؤول عن الأمن وسيادة البلاد، فهو رئيس الجهاز التنفيذي. قال: «لا، أنت رجل تخطيط وتنمية واستمر في التخطيط والتنمية». وحصل خلاف بيننا في هذا الأمر. مصطفى عبدالجليل في ذلك الاجتماع لأول مرة يصرح بانحياز قطر إلى التيار الإسلامي، فقد قال لأمير قطر: «إنكم منحازون إلى التيار الإسلامي، وربما هذا يُحدث نوعاً من الانشقاق في الصف الوطني». اقترح الشيخ حمد بن جاسم، لحل الإشكال، أن يُشكَّل «مجلس أعلى للأمن القومي» برئاسة مصطفى عبدالجليل وأكون أنا عضواً فيه ووزير الداخلية ووزير الدفاع. فقلت لهم إن هذا الأمر مرفوض تماماً بالنسبة إلى رئيس الوزراء الذي يجب أن يكون مسؤولاً تماماً عن الأمن. وحصل خلاف على قضية السلاح، فقالوا لنا: «نحن أعطيناكم السلاح وأنتم تحولونه إلى تجارة سلاح داخل ليبيا – عبر شرائه من الثوار- وهذا الأمر لا يستقيم».
الخلافات كانت خلافات كاملة، وانتهى الاجتماع بعدم الاتفاق في وجهات النظر بيني وبين الجانب الآخر. عدت إلى ليبيا وفي 12 أيلول جمعتُ التشكيلات العسكرية في طرابلس، وكان لدينا 18 تشكيلاً، وحضر 17 من قادتها. واتفقنا على حل كل التشكيلات العسكرية، وحل ما يُعرف باللجنة الأمنية العليا، وأن تستلم مراكز الشرطة الأمن في طرابلس، واتفقنا على تشكيل قوة تدخل سريع من هذه التشكيلات، قوامها خمسة آلاف عنصر تكون تابعة للداخلية ولها زيٌّ خاص. كان قادة التشكيلات الـ17 فرحين بهذا القرار، وكانت هناك بعثات دراسية وتكريم وتقدير مادي ورواتب مجزية لهؤلاء الخمسة آلاف عنصر الذين انضموا إلى الداخلية. اتصلتُ بالإمارات وبقطر لإحضار سيارات شرطة. وكانت المجموعة الأولى من هذه السيارات باللونين الأحمر والأبيض، وجاءت من الإمارات وكان الظهور الأول لسيارات الشرطة في شوارع طرابلس.
دخل علينا مصطفى عبدالجليل قاعة الاجتماع حوالى الساعة الواحدة ظهراً فوجدنا مجتمعين، وأخبرته قرارنا حل كل التشكيلات العسكرية، وأن الشرطة ستستلم زمام الأمور بدءاً من الأسبوع المقبل، فبارك هذا الجهد. بعد حوالى ساعة فوجئنا بباب القاعة يُفتح ويدخل علينا رئيس الأركان القطري، ووزير الدفاع الليبي وفوزي أبو كتف وعبدالحكيم بلحاج، المجموعة ذاتها التي كانت في قطر. دخولهم كان بطريقة فجّة، وقال: «لم نكن نعرف أنكم مجتمعون». فقلت له تفضل يا أبو عبدالله (كنية رئيس الأركان القطري حمد العطية) وقلت له اليوم الحمدلله توصلنا إلى قرار تاريخي بحل كل التشكيلات العسكرية. فسألني: هذا القرار سيسري على طرابلس فقط، أم على كل المدن الليبية؟ قلت لا حاجة في بقية المدن لأن الاحتقان في طرابلس باعتبارها العاصمة، لا نستطيع تنفيذ القرار في مصراتة، إذ تسكنها قبائل مصراتة ولا في الزنتان التي تسكنها قبائل الزنتان، بينما في طرابلس كل التشكيلات العسكرية التي من خارج العاصمة ومن داخلها وكلهم يعتبرونها عاصمتهم. لذلك، علينا حل كل التشكيلات العسكرية. جلال الدغيلي، وزير الدفاع، أبدى اعتراضاً على هذا الأمر، عبدالحكيم بلحاج خرج من القاعة وجلس مع مصطفى عبدالجليل. قال لي رئيس الأركان القطري إنه يحمل رسالة شخصية من أمير قطر ويود أن يجلس معي ومع مصطفى عبدالجليل. قلت له أمهلني حتى أوقع القرار وأنا جاهز.
> ماذا كان مضمون الرسالة؟
– أنهيتُ الاجتماع ثم توجهنا إلى مطعم قريب من القاعة أنا ورئيس الأركان القطري ومصطفى عبدالجليل، لتناول الغداء ولنستمع إلى الرسالة. كانت رسالة غريبة، قال: «سمو الأمير يطلب منكم تأجيل أو إلغاء زيارة ساركوزي وكامرون، وكان من المخطط لهما أن يصلا في 15 أيلول وأردوغان كان مخططاً له أن يصل في 16 أيلول». سألته: ما سبب الإلغاء أو التأجيل، قال: «الظروف الأمنية». قلت له غريب يا أبو عبدالله، فرؤساء الدول قبل أن يخططوا لزيارة يرسلون فرقاً أمنية لتحدد إن كانت توجد أخطار أم لا، فلو كانت هناك أخطار أمنية سيطلبون تأجيل الزيارة، ولكن إذا كان الأمر يتعلق بزيارة سمو الأمير، فأنت تعلم جيداً أنني دعوتُ سمو الأمير ثلاث مرات لزيارة ليبيا، وكنت دائماً أقول له نريد أن تكون أول قدم تطأ التراب الليبي بعد التحرير قدماً عربية، حتى لا يُقال عملاء الـ «ناتو»، وكان في كل مرة يقول لي: «هذه بلدي أنا لا أحتاج إلى دعوة، أزورها حينما أريد، وكلاماً من هذا القبيل…»، على رغم ذلك ما زالت الفرصة أمامنا الآن تستطيع أن تدعوه الخميس المقبل (لأن يوم 15 كان يوم جمعة على ما أذكر) فيأتينا بطائرته ونستقبله في المطار، المكتب التنفيذي والمجلس الانتقالي مجتمعَيْن، ثم في جلسة مشتركة بين الجهازين التنفيذي والتشريعي يلقي خطاباً يهنئ فيه الليبيين بسقوط النظام، ونحن نشكر قطر لما قدمته ونعترف بهذا الجميل ثم نوصله إلى الطائرة بعد زيارة لساعات معدودات. قال لي: «لا، الأمير لديه ارتباطات، ومن الممكن أن تعتذروا بالادعاء أن مصطفى عبدالجليل متوعك صحياً ويأتينا إلى قطر». قال مصطفى عبدالجليل: «أنا لن أكذب في هذا الأمر». فقال رئيس الأركان القطري: «هل من الممكن أن تتولوا أنتم تأجيل زيارة أردوغان ونحن نتكفل بتأجيل زيارة ساركوزي وكامرون عبر اتصالاتنا مع الفرنسيين والبريطانيين؟». قلنا لا، حتى زيارة أردوغان لن نطلب تأجيلها، فالزيارات التي قُرِّرَت تتم في موعدها. خرج رئيس الأركان القطري من اللقاء، لكنه لم يكن راضياً عن عدم موافقتنا على تأجيل هذه الزيارات.
في السابعة مساء، كان مفترضاً أن أظهر في مؤتمر صحافي أعلن فيه حل التشكيلات العسكرية في طرابلس. بدأت الاتصالات تردني من جلال الدغيلي وفوزي أبو كتف يقولان فيها لا ضرورة للظهور في مؤتمر صحافي، ويطلبان مني إلغاءه لأن الثوار محتقنون على الأرض. قلت عن أي ثوار تتحدثان فقادتهم كانوا إلى طاولة الاجتماعات وكانوا مسرورين بهذا القرار. تحدث معي فوزي أبو كتف مرة أخرى، وقال لي إنه تحدث مع مصطفى عبدالجليل – الذي كان موجوداً في مدينة الزوارة مع محمود شمام في ذلك اليوم – ويطلب تأجيل المؤتمر الصحافي. قلت له لم يتصل بي مصطفى عبدالجليل. اتصل بعد ذلك مدير مكتب مصطفى، واسمه حامد العمروني، فقلت له يا حامد، هل أنتم طلبتم من فوزي أبو كتف أن يبلغني بتأجيل المؤتمر الصحافي؟ فردّ لا، أبداً هذا غير صحيح. اتصلوا بمصطفى عبدالجليل فقال لهم هذا الأمر يعود إلى محمود جبريل.
خرجتُ في الساعة السابعة مساء، وأعلنتُ حل التشكيلات العسكرية، وكان معي 17 من قادة تلك التشكيلات على المنصة. في اليوم التالي فوجئنا بقرار من المجلس الوطني الانتقالي بإلغاء قراري وبنقل تبعية اللجنة الأمنية العليا من المكتب التنفيذي إلى المجل