أيمن الظواهري، الزعيم الجديد لتنظيم القاعدة
بقلم: أحمد الشرعي وجوزيف برود: مقالة نُشرت بالمجلة الأمريكية المتحصصة The NationalInterest
أكورا بريس-ترجمة نبيل حيدر بتصرف
16 شهرا بعد مقتل أسامة بن لادن، تمكّن تنظيم القاعدة من الانبعاث من جديد بشكل مذهل، فاستراتيجيته “الشرقية” لتوظيف أفغانستان والعراق كمحطة انطلاق للتوسع باتجاه الجنوب الغربي قد تمّ دعمها عن طريق استراتيجية جنوبية قصد التحرك من الساحل الإفريقي وسط المغرب العربي باتجاه شمال شرقي. القاعدة تنظيم جهادي سني يدّعي أنه يستمد روحه من التاريخ الإسلامي للقرن السابع، لكن مقاربته الحالية تشبه شيعة القرن العاشر، حيث أن الشيعة “الفاطميين” الذين كانوا يستقرون بما يعرف العراق حاليا كانوا يرون أن المناطق الحضرية لم تكن مراقبة بشكل كبير من طرف أعدائهم كي يقومون بتوظيفها لعملياتهم. وبالتالي، قاموا بإرسال العديد من المبعوثين بعيدا إلى الجنوب الغربي وحصلوا على تحالفات مع أعراق غير عربية بالمناطق الحضرية-وفي نفس الوقت استغلال الحكومات الضعيفة في العديد من الأقاليم. ثمّ انطلق جيش بربري من تونس وشق طريقه عبر العاصمة القيروان وهاجم مصر حيث حكمت الامبراطورية الفاطمية من القاهرة لمدة قرن تقريبا.
وبحصولها على أول تحالف مع الطوارق المسلمين (ليسوا بعرب) بدولة مالي بداية هذه السنة، فإن منظمة “أنصار الدين” المناصرة للقاعدة تمكنت من غزو 300 ألف ميل من شمال تراب مالي وشكّلت دولة شبيهة بالدولة الإسلامية التي سبق وأن أعلنت عنها طالبان. وفي نفس الوقت، تمكّن التنظيم، بالساحل الإفريقي والجهة الجنوبية للمغرب العربي، من تحقيق تقدم ملحوظ بحيث أن تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي، وهو تنظيم ذكي يضم الجزائريين المنتمين إلى منطقة القبائل والصحراويين، وجد له موطأ قدم بالصحراء الغربية، النيجر، تشاد والآن بليبيا. مسؤول مغربي كبير في الاستخبارات يلاحظ أن العديد من زعماء تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي انتقلوا إلى ليبيا بعد مقتل القذافي وحصلوا على اتفاق مع المجاهدين المحليين، وهو ما مكّن التنظيم من الحصول على عدد هائل من الأسلحة التي تعود إلى النظام الليبي السابق. إضافة إلى ذلك، استفاد تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي خلال العقد الأخير من العناصر المارقة لتنظيم البوليساريو.
كل هذه”الإنجازات” التي حقّقتها القاعدة تتماشى وطريقتها في الاستفادة من ظروف الدول التي تعيش على إيقاع غياب الاستقرار (فلنتذكر ما قامت به في الصومال) كما تستغل المناطق التي تسيّرها حكومات مركزية ضعيفة كمحطات للقيام بعملياتها(كما يقع في بعض مناطق العراق).
لكن الانتقال إلى تونس أظهر لتنظيم القاعدة أن حتى الدول التي حصلت على الاستقرار بعد الربيع العربي من شأنها أن تتوفر على بعض الجيوب التي يمكن للتنظيم استغلالها سياسيا وعسكريا. ولذا، دعمت القاعدة إنشاء “أنصار الشريعة”من طرف الإسلاميين الذي فرّوا من السجون بعد سقوط نظام بنعلي. واليوم، يتحكم هذا التنظيم في 400 مسجد بتونس أغلبها خارج العاصمة بمناطق مثل بنزرت، صفاقس، سيدي بوزيد وجندوبة، كما أن هذه المجموعة أصبح لديها 42 ألف “معجب” بالموقع الاجتماعي الفايسبوك.
وبالرغم من أن حركة النهضة، الحزب الحاكم بتونس، أنكر “أنصار الشريعة”، فإن المجموعتين تواجهان الخصوم نفسها، مواجهة تقوم بها حركة النهضة على الصعيد السياسي فيما تتكفل “أنصار الشريعة” بالشق العسكري من هذه المواجهة. وعلى سبيل المثال، وظّفت حركة النهضة جهدا كبيرا خلال فصل الصيف لمحاربة نقابة الشغل الشعبية والعلمانية “الاتحاد العام التونسي للشغل”، هذا فيما فجّرت حركة “أنصار الشريعة” ثلاثة مقرّات فرعية للاتحاد العام التونسي للشغل، كما أن العديد من أئمة المساجد هم في صف “أنصار الشريعة” خصوصا الشيخ الشاب أنيس التونسي الذي قال إن جميع النقابيين “كفار” وقام بإهدار دمهم طبق الشريعة الإسلامية.
وفي نفس الوقت، يؤكد العديد من المقربين من القطاع الأمني التونسي أن مصالح الأمن لم تقم بواجبها في صد “أنصار الشريعة”، حيث يشير أزهر الأكرمي أن حزب النهضة سيوقف الميكانيزمات التي من شأنها أن تتحرك ضد “أنصار الشريعة” ويقول في هذا الإطار “لا تريد حركة النهضة أن تقوم حكومة تونس باتخاذ تدابير قاسية في حق تنظيم “أنصار الشريعة”….وفي غياب أو حضور التنسيق، فإن “أنصار الشريعة” تقدّم نوعا من العمق الاستراتيجي لحركة النهضة”.
هناك مؤشرات قوية بأن هذا النوع من الفرص المتاحة أمام تنظيم القاعدة بكل من ليبيا وتونس تتوفر كذلك بسوريا ومصر، حيث أنه وعلى شاكلة ما حدث في ليبيا، مكّنت الحرب ضد الرئيس السوري بشار الأسد تنظيم القاعدة من ربط علاقات مع الثوار المسلحين الذي سيلعبون، لا محالة، دورا حاسما في فترة ما بعد الأسد. وكما في تونس، فإن الفوضى التي تعيشها سيناء بمصر والأعداء المشتركين (العلمانيين) بين القاعدة وتنظيم “الإخوان المسلمين”الحاكم، يجعل من السهل على القاعدة الحصول على الدعم بمصر، خصوصا خارج العاصمة المصرية القاهرة.
لا داعي أن نقول أن تطور “الحزام الفاطمي الجديد” الذي يتسع عبر العالم العربي يشكّل تهديدا أمنيا خطيرا على جميع هذه الدول وكذلك على جنوب أوروبا والحوض المتوسطي وإسرائيل ودول الخليج وكذلك على المصالح الأمريكية بجميع هذه الدول.
وللقضاء على هذه الاستراتيجية، يجب صدّها عسكريا، وهو ما قامت به موريتانيا خلال السنوات الماضية بعد أن أعلنت الحرب على تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي ووظّفت جميع ترسانتها للقضاء على هذا التنظيم. لذا يجب على الولايات المتحدة الأمريكية دعم وتشجيع هذه الجهود ومد موريطانيا بالوسائل اللازمة، كما يجب على الجزائر أن تفهم أن الدعم الأمريكي ليس شيكا على بياض وأن الأمر يتعلق بمطالب أمريكية قوية بأن تقوم بمحاربة تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي. وبالصحراء المغربية، قدّم النزاع القائم بين المغرب وتنظيم البوليساريو المدعوم من طرف الجزائر خدمة جليلة لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، حيث مقاتلو البوليساريو المدرّبون والأسلحة التي تقع بين أيديهم. لذا من الضروري الضغط للحصول على حل لنزاع الصحراء. وفي هذا الإطار، من الأفضل تبني مخطط الحكم الذاتي المدعوم من طرف أمريكا وفرنسا والمغرب والأمم المتحدة.
وفي الأخير، يجب على الغرب أن يدعم المجموعات الإسلامية المعتدلة بشمال إفريقيا، وهي المجموعات التي تنافس الفكر الجهادي على ولاء المسلمين بالمناطق المحيطة بالمساجد. ويعتبر المغرب مثالا حيا لنجاح مثل هذه الجهود، حيث أن الملك محمد السادس وظّف كونه “أمير المؤمنين”-أعلى سلطة دينية في البلاد- لمحاربة التطرف من خلال التربية والبرامج العمومية. والدليل الأكبر على ذلك هو قناة “السادسة” التي تدافع عن قيم التسامح وتواجه مباشرة الجهاديين ووسائل إعلامهم.
– أحمد الشرعي، مدير مجلة L’Observateur، ورئيس مدير عام “راديو ميد”، والرئيس المدير العام ليومية “الأحداث المغربية”
– جوزيف برود، متخصص في شؤون الشرق الأوسط
نص المقالة كما نُشرت باللغة الانجليزية على الرابط الآتي: