بعد إفلاس طروحاتهم في إطار الربيع أو الخريف العربي، راهن أصحاب الأقلام الثملى الحصول على المغريات والاستمرار ببكارة مرتقة على درب اللغو والنزال لتحقيق الارتقاء الاجتماعي والابتزاز بالأقلام الثملى، لكن شيء من هذا لم يحدث لأن من الوضوح ألا يمد القلم الثمل يده لاستجلاب المكوس والاستمرار في اللعبة المزدوجة، وجه نزالي للرأي العام ووجه وديع لأصحاب الرأسمال.
بعد الوضوح ونهاية الازدواجية، بدأت تباشير رقصة الموت بصخبها، وكان لا بد من احتقار ذكاء الشعب وإعادة صياغة المكتوب حتى يفيد المطلوب، فالشعب الذي رفض أن يجاري بعض نخبته التي تربت في كنف بعض الدكتاتوريات العربية، يوم كان المغرب يؤصل للتعددية السياسية والنقابية ويسمح ببناء مجتمع مدني فاعل، ويسمح بتكاثر المنابر الإعلامية، وبأكثر من رأي، يوم كان أصحاب الأقلام الثملى يؤمنون بتلفزة الزعيم وصحيفة الزعيم ومجلة الزعيم وراية الزعيم وبترول الزعيم، الآن يريدون أن يبيضوا ماضيهم في خدمة الدكتاتور الزعيم بعد انهيار الفكر الديكتاتوري، ومن آيات التبييض أن يتم اختزال كل شيء في المغرب ورده إلى حفل الولاء.
خسر المنتخب الوطني الخلل إذن في منطق الولاء كأن خصم المنتخب الوطني ارتوى حتى الثمالة من تقاليد الحرية والديمقراطية. للأسف الشديد ساهمت أطراف من الحزب الحاكم في استهداف حفل الولاء حتى يكون مشجبا تعلق عليه كل نواقص الفعل في حل المشاكل المتراكمة.
فهل مُنِعَ أحدهم من أن يتخذ قرارات جريئة لكي يحل المشاكل؟ هل مُنِعَ أحدهم من أن يوفر الشغل والسكن والتعليم والتطبيب للشعب أو أن يجد حلولا لمشاكل النقل والتمدرس والاستثمار؟
ففي غياب أجوبة حقيقية على الأسئلة الحقيقية لابد من اختلاق أسئلة مزيفة ومفبركة ومحاولة ترسيخ أجوبة مفبركة لها.
فالشعب وقواه الحية الذين استصغروا دعوات الجمهوريين أيام الحراك وتركوهم هائمين في بعض الأزقة والحواري، صوت لحزب معارض شكل أغلبية جديدة لكي يطبق بدائله، الشعب لم يصوت للأغلبية الجديدة ولحزبها الحاكم لكي يقولوا أن المغرب يعيش صعوبات اقتصادية ويجتروا خطاب الأزمة لسنوات، بل صوت لهم لأنهم قالوا إنهم يشكلون البديل، وأن لهم حلول لمشاكل المغرب تتجاوز الحلول التي ارتضتها الحكومات السابقة، لكن الظاهر أن كل الحلول التي ترتضيها الحكومة الحالية هي حلول تعقد الوضع ولا تعطي فسحة أمل للرأسمال الجبان بطبعه الذي لا يستمر إلا حيث يجد الربح المضمون.
غير أن الذين يحتقرون الشعب يريدون أن يجاريهم في منطقهم ويختزل غياب الحلول والقرارات الصائبة في طقوس حفل الولاء، كأن الإبداع في السينما أو في التلفزيون أو الشعر أو القصص أو الرواية يأتي بقرار من الحاكم، أو كأن أيام انتصار المنتخب الوطني كان المغرب أكثر ديمقراطية من اليوم، أو كأن مدرب المنتخب الوطني ليس بلجيكيا تربى في مجتمع ديمقراطي يؤمن بالحريات وأنه من “تواركة”، أو كأن المدرب البلجيكي عندما كان يحقق الانتصارات وهو مدرب لفرق عدة في الخليج كان لا يتنفس إلا الحداثة والحريات.
كفى من الاستخفاف بالشعب والوطن والمواطنين، فإذا كان هناك من لا يستطيع بعبقريته المفترى عليها فهم واقع المغرب واشكالياته، فلا يمكن له أن يجد لنفسه موطأ قدم في مغرب اليوم ولا الغد كمفهوم أو كتصور، ولن ينال ثقة المواطن الشعبي البسيط الذي مل من نخبة لا ترى الأشياء إلا بمقياس استفادتها اليومية ماديا من معاناة الناس باختلاق الإشكالات المغلوطة والأجوبة المفبركة لأن الأيام التي كان بزبوز الإشهار يفتح فيها تحت ضغط الابتزاز قد ولى، وأن من اختار متاهته فليعشها إلى الأخير، والشعب فعال لما يريد.
أكورا بريس: حمو واليزيد