بقلم: أحمد الشرعي
نجاح قمة «وان بلانيت سوميت» للمناخ في باريس، يحسب للرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون. فبتنظيمها تمكن في الوقت ذاته، من تجاوز انسحاب إدارة الرئيس الأمريكي ترامب من اتفاق باريس، مع تأمين حضور الولايات الأمريكية، وكبار المانحين الأمريكان، والمؤسسات الاقتصادية الأمريكية.
أزيد من 60 رئيس دولة وحكومة حضروا القمة، وفي الجهة الأخرى، حضرت هيئات المجتمع والمنظمات غير الحكومية، والنظام المالي، والشركات الكبرى، بالإضافة إلى الانخراط الهام والدال للشباب والأطفال. تم إطلاق سلسلة من الالتزامات. فيما التزم البنك الدولي بالتوقف عن تمويل المشاريع المرتبطة بالطاقات الأحفورية، وكبار المانحين بحشد الأموال اللازمة للانتقال الطاقي المنشود، ليس بالصورة المأمولة تماما، لكن بمبالغ مالية هامة للغاية.
نجاح قمة المناخ في باريس، الذي من المفروض أن يصبح قاعدة، يكمن في بعد آخر. الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون ذكر به الحضور، مشيرا إلى أن البشرية ماضية في خسارة التحدي الذي يواجهها، لأن التزامات اتفاق باريس لم تحترم بالشكل المطلوب، ولم يستطع الموقعون على الاتفاق حشد الملايير اللازمة لتأمين الانتقال الطاقي في الدول الفقيرة.
ذكاء الرئيس الفرنسي مكنه من وضع هذا البعد في سياقه التاريخي. هناك بلدان مهددة بالزوال، والأجيال القادمة عليها أن تتعامل مع كوكب يحمل فوقه 10 ملايير إنسان، يرزحون تحت ظروف عيش قاهرة، وتلك مسؤوليتنا جميعا تجاه هذه الأجيال.
المغرب كان ممثلا في القمة، في شخص الملك محمد السادس وولي العهد الأمير مولاي الحسن. المملكة ملتزمة بصورة لافتة، وفي حدود إمكانياتها، في قضية المناخ. كل الالتزامات المنصوص عليها في اتفاق باريس، والمؤكدة في قمة مراكش كوب 22، لم يتم الوفاء بها فقط، بل نحرز نتقدما مقارنة مع الأجندة العالمية في هذا الباب. المغرب رائد في مجال الطاقات المتجددة، وتأثير مقاربة التنمية المستدامة تلامس كل السياسات العمومية، في الوقت الذي تواجه فيه البلاد تحديات حاجيات النمو الاقتصادي، والتصنيع، وخلق فرص الشغل.
حضور ولي العهد الأمير مولاي الحسن في القمة حمل رسالة دالة ومهمة للغاية. فإلى جانب اندراج هذا الحضور في تكوينه كولي عهد لعرش المملكة، وتعزيز اطلاعه على القضايا الدولية التي تعتبر من أولويات تقاليد المؤسسة الملكية في المغرب، وبغض النظر عن هذا الجانب المؤسساتي، يمثل مولاي الحسن هذا الجيل القادم من سكان العالم، الذين سيكون عليهم تحمل تبعات لامبالاة الجيل الحالي في قضية المناخ.
حضوره يدل على أن مكافحة ظاهرة الاحتباس الأرضي ستأخذ وقتا كبيرا في المستقبل، ربما على امتداد أجيال كاملة، ما يعني أن الأولوية اليوم، تكمن في تشارك المعلومات حول الظاهرة، والتحسيس بخطورتها، في أوساط الشباب والأطفال.
حضور ولي العهد، يعني أيضا، استدامة الاختيار المغربي، والتزامه الحقيقي برؤية تنمية مستدامة تحترم البيئة. الأمر لا يتعلق بالتزام مؤقت. الرئيس الفرنسي، الحساس للرموز تلقى الرسالة بإعجاب، والمؤسسة الملكية في المغرب حملت دائما رؤية استباقية. الملك الراحل المغفور له محمد الخامس كان أول من أظهر بناته بشكل علني منذ العام 1947، وخلفائه في العرش، كانوا دائما سباقين مقارنة بالمجتمع المغربي، بل وأسسوا مدخلا لتحولاته العميقة في كل مرة.
الملك محمد السادس، وعبر اصطحاب ولي العهد للقمة، يضعه في قلب المأساة المناخية العالمية. تلك رسالة أيضا لكل القوى الحية في المغرب، المدعوة إلى تعبئة الجهد لمواجهة الظاهرة. وجب التذكير فقط، بأن الانتصار في هذه المعركة لن يكون ممكنا، دون اقتناع تام بحيويتها، من طرف المنظمات غير الحكومية، والقطاع المالي، والمقاولات، والمواطنين تحديدا.
تلك رسالة قمة «وان بلانيت سوميت» في باريس أيضا.. مسؤولية كل واحد فينا لتفادي الكارثة الوشيكة، بإجماع كل المتخصصين والعلماء.
عن موقع: أحداث.أنفو