فيضانات إسبانيا: سانشيز يعرب عن شكره للمملكة المغربية على دعمها لجهود الإغاثة في فالنسيا
دائما نجد المتذوقون والمهتمون والعاشقون للموسيقى مختلفون عن غيرهم ليس فقط في إحساسهم بالجمال في الكون، ولكـــــن إحساسهم بالجمال في الكلمات والأشياء المحيطة بهم وفى أعماق البشر واختلاف ألوان شخصياتهم وأيضا في طريقه تعبيرهم عن مشاعرهم وأفكارهم… هذا ما وجدناه في الفنان الكبير “مارسيل خليفة”، الذي سينتقل بنا الآن من مجال الإيقاع وكسر طبوهات العود بهدف التجديد وخلق نوع موسيقي جديد يمزج بين أصالة العود وفن الإيقاع بحداثته، إلى الموسيقى بحد ذاتها ليغوص في خباياها ومكنوناتها كي يستخرج جوهرها الهادف إلى المصالحة مع الوجدان العربي، كما سيتحدث أيضا عن أدوات النقد الصحيحة للموسيقى العربية،وعن أشياء أخرى…
نترككم في رحاب رحلتنا الفنية الموسيقية مع الفنان “مارسيل خليفة” ليكشف لكم تفاصيل أكثر عن هذا الموضوع.
الحلقة الثانية:
استقلالية مارسيل في الموسيقى..أسلوبه ونظرياته…
يقول الفنان “مارسيل خليفة” عن الموسيقى:
لن تكون الموسيقى ذاتها، لن يكون الصوت ذاته، سيكون النهر ذاته بمياه مختلفة، وهذا ما يعطي الموسيقى ذلك الإحساس بالأزلية، إنه فن الوهم، عامل خلق الوهم بالموسيقى والصوت، الثقافة الموسيقية ضعيفة جداً بل مفقودة فعلياً، من المهم إيقاظ وعي الناس، كيف تمت كتابة المقطوعة، وما الذي ألهم المؤلف في كتابتها؛ لماذا يحتوي الصوت على كل هذه العاطفة وكلّ هذا الصَّخب وكلّ هذا الدويّ، وكيف نستمع إلى كلّ ذلك، الموسيقى هي الأقل معرفة من قبل الناس، في الثقافة العامة يهتم الإنسان المثقف بالفلسفة والأدب، ويعرف الكثير في السينما والرسم، النحت والمسرح، ولكنه قد لا يعرف شيئاً عن الموسيقى، هناك نوع من الجهل المتعلق بالموسيقى، ولهذا نرى مستمعين محافظين للغاية لا يريدون موسيقى جديدة، يريدون فقط ما علق في ذهنهم من قوالب الماضي أكثر مما يريدون الجديد، قليل من الناس الذين يعرفون الموسيقى وقد جعلوها جزءاً من حياتهم، علينا أن نخلق سبلاً للاستماع وجعل الموسيقى سهلة المنال.
اعترفات مارسيل: “ لم أرغب أبداً في أن يكون لي أتباع في العزف والغناء والتدريب والكتابة”.
بالنسبة لي لم أرغب أبداً في أن يكون لي أتباع في العزف والغناء والتدريب والكتابة، فيما هناك أشخاص يطمحون جداً لتربية أتباع لهم، أحب أن يعلن الشخص عن استقلاليته وأن يسلك طريقه الخاص، مثال على ذلك بشار ورامي، لا أحب طريقة محددة حتى لو كنت من استنبطها، تمارين ومقطوعات كثيرة كتبتها وطبعتها للآلات الموسيقية العربية لطلاب المعاهد الموسيقية، حاولت جاهداً أن أوقظ فضول الطلاب وأن أعطي الوسيلة التي تساعد على تطوير الفضول، لم أحب العزف الميكانيكي، ولا أحب الذي يعزف المدوّن بشكل مثالي وبدون أي نوع من الذاتية، أكتبُ متحرراً من كل شيء، وعندما يصبح لديك ما تقوله حقيقة ، سوف تثير بالتأكيد الإعجاب لدى البعض والرفض لدى البعض الآخر.
مارسيل يتحدث عن أدوات النقد الصحيحة للموسيقى العربية،
النَّقد الموسيقيّ:
أعتقد بأن النقد الصحيح هو جزء من الجمهور، الناقد الموسيقي الذي يضع نفسه في مكان المستمع يستطيع تقنياً تحديد مصدر رأيه متسلحاً بالتجربة المقارنة التي كوَّنها على إثر عمليات سماع متتابعة، هذا إذا اعتمد على علم الموسيقى وكان محصَّنًا أكاديمياً، إضافة إلى ذلك إن الناقد عليه في الوقت نفسه، أن يحمل في شخصيته شخصية الفنان، مؤلفاً كان أم مؤدياً. فهو يضع رجلاً في كل جهة، أما معطياته تكون مرتبطة بين الأسباب والنتائج، فهي تحفظ الزائد في اتجاه وتوقفه في الاتجاه الآخر، حتى لو تلعثمت كلماته، إن الناقد يستطيع المحافظة على وزن وقيمة إذ كانت الحجج التي يقدمها تملك هذا الوزن، عندما يقدم تقريراً عن حفل يرتدي الصحافي بذلة الحاكم العام، يطرح اتهامات أحياناً، يخلي الحاكم العام المكان للمحامي ؛ بالطبع إن أداء أو تأليف عمل لا يمكن أن يرضي كل الناس.
إن الناقد الصحيح عليه معرفة تحديد مكامن الأشياء التي تعطي القيمة الحقيقية لحفل ما، لعمل موسيقي ما، أو الأشياء التي تقلل من تلك القيمة، عندما يبدأ أحد النقاد بتوجيه ضربات إلى الموسيقيين فهم يعرفون تماماً إذا كان مخطئاً أم لا، لا أعتقد بأن العدوانية تشكل الطريقة الأحسن في إقناع الموسيقيين بأنهم قصروا في مهمتهم، إن الاتهام يساهم في رص صفوف الموسيقيين الحقيقيين الذين يدفعون الناقد إلى قفصه وحيداً، بالقرب من النقاد وأحياناً مختلطين في صفوفهم يوجد المعلقين العالمين بالموسيقى والمحللين، ينغمسون سلاحاً وعدّة في الغابات المظلمة للمغامرة التحليلية، للأسف إن أدوات لغتهم تنغلق عليهم، وبالتالي لا تستطيع اللحاق بهم إلاّ برادار الحدس.
الموسيقى العربية بعين مارسيل خليفة،.. الحديث عن جَدَل” ثُنَائِيّ العود وأعمالً أخرى..
صار للموسيقى العربية الآن أن تحتفي بالمنحى التعبيري الذي تجتازه، لم تعد الصورة ولا الإيقاع ولا الجملة ولا الأدوات ذاتها، الأمور تجري كما يحلو، لم تعد لدينا رغبة في معرفة مستقبلنا بالوضوح الحديدي الذي تسلّح به المحافظون، إنه وضوح يضاهي قيداً لا يرحم، وليكن من حق الآخرين، المحافظين أن يسمّوا هذا خراباً، فربما حلا لنا ذلك أيضاً، وهكذا عندما أصدرت اسطوانتي الأولى قالوا بأني أخرّب الموسيقى العربية ولم يكن أحد يملك حق منعي عن ذلك، وكذلك عندما قدَّمت “جَدَل” ثُنَائِيّ العود وأعمالاً أخرى للأوركسترا كالكونشيرتو العربيّ وكونشيرتو الأندلس وكونشيرتو الرَّبابة وتهاليل الشَّرق، لا يجوز أن نتوقف أمام الاعتراضات الهستيرية التي تنتاب بعضهم وهم ينظرون إلى المشهد الموسيقي يشطح خارجاً عن صورته القديمة بما لا يقاس من التنوّع ؛ لا يملك أحد سلطة مصادرة، وليس عندنا وقت أن نشتغل بمهمة إقناع أولئك بأن ما يحدث هو من طبيعة الأشياء ؛ إنها حريتنا الأخيرة بعد مصادرة كل شيء بلا استثناء ؛ ليست لدينا معجزات لدينا، مخيلة وأحلام مكبوتة ؛ الأسلاف صاغوا حياتهم وطريقة عملهم كما يحبون ويستريحون، وكل ذلك حقهم وينبغي الآن من المبعوثين أن يكفوا عن محاولة إثارة الضجيج حول ما كانوا أنجزوه الأسلاف ؛ لماذا كل هذا الضجيج لتكريس الجذور والسكوت عن حرية الأجنحة ؛ ليس أمام التجارب الجديدة إلاّ أن تذهب إلى حدها الأقصى بموهبة وبمعرفة ؛ الإبداع توغل في غموض ما لا يعرف ؛ فالمعروف هو ما تمّ اكتشافه وصار ناجزاً ومستقراً ؛ وشرط نجاح التجارب الجديدة أن تخرج على الطوق والطريقة معاً ؛ وتصدر من الحياة الأكثر تأججاً واتصالاً بالمستقبل.
كتابات مارسيل الموسيقية:
إنَّني أحاول أن أصفو من خلال صمتي أمام صفحة بيضاء مسطّرة، أدون عليها العلامات الموسيقية، لن يكون بَوْحِي شجياً ولن يكون بارعاً، في صمت مفعم بالحب وفي انعدام الوساطة بين الإحساس والنوتة أكتب حروفاً بلا تشكيل، بلا قواعد، ربما كتابة على الحياة مباشرة؛ إن صمتي يئن من صمته، ويتهدج تحت ثقل المخطوطة، أحترف البكاء اللاّ مرئيّ وأدس حرقته في الدعابة؛ كم من سؤال مرّ بي فأجَّلته لخجل في العيون؛ لا معنى يشبعني إلا ما تبعثه الموسيقى ولا مبنى يغويني إلا ما تشيده الموسيقى أحاول جاهداً أن أجد مقعداً للحنين على وقع الموسيقى في مساء لا يطيب لي، إلاّ ما يملؤه شجن الروح لأعيد دهشتي الأولى من جديد، ولأرحل مع الطيور العاصية إلى أفق بعيد غامض أحبه دائماً غامضاً في الأقاصي الزاخرة لاستبدال فوضى العالم بالإيقاع؛ هل ما كتبته وما سأكتبه هو بمثابة الشك في قمر الحب الذي يغمر ليلنا الدامس بالفضة الصريحة؛ أدافع عن صمتي ولا أملك دِفاعاً غير النوتات التي ولدت من صخرة الجبل متميزة برهافة عصفور. وفي كل يوم أستأنف الرحيل الشاق نحو البحث عن نقطة ضوء لبداية تتجدد؛ لارتماء طفولي في حضن دافئ لاحتجاج على فساد أشياء العالم، ولتورط صاخب في الحب، تلك الوردة السرية الجميلة المخبئة في دواخلنا، تمدنا دائماً بالقوة، وتفسد على الحياة استسلامها؛ رغبة مشتركة ومتأججة، في إشعال شمعة ولعن الظلام في آن، لاستعادة الثقة في الروح، تلك الثقة التي أرهقتها الانهيارات الشاملة؛ سأظل أحاول أن لا أهدأ في مكان ولا في قالب ولا في حالة، وأبحث عن شمس حارقة حتى لو ذابت في أفق بعيد، وأن أقترب من ذلك السراب وأعاود البحث، وأن لا أطمئن ولا أستقر، وأن أفتش دائماً عن نهار جديد وكأنه نهار أخير، وأن أعشق المغامرة والتحولات، وأن أغوص عميقاً في التجارب، وأن أتعلم كل يوم كيف أحب وكيف أشتاق وكيف أبكي وكيف أضحك وكيف أتخيل وكيف أكتب الموسيقى، وأن لا أشعر بالزمن الفيزيائي الذي يتلاشى في الجسد، وأن أظل أسعى إلى إنسانية راقية، وأن أتحرر من اليقين سبيل للانتقال من المجهول إلى المعلوم؛ الجو خانق أريد قليلاً من الأوكسجين لأكتشف غموض الآفاق ولأجترح المستقبل.