قائمة أسماء الشخصيات التي اختارها ترامب لتتولّى مناصب في إدارته
يقاس ثقل الأمم بمدى عمق جذورها التراثية وبمدى تفاعل تلك الجذور مع الواقع الحضاري المعيش من أجل التكيّف والمعاصرة ، دون أن يكون ذلك على حساب هويتها المتميزة . فمن لا تراث له لا يستطيع التكيّف مع المصير التّاريخي ، ولا تكون لديه مناعة للحفاظ على الذات من الانجراف مع التيّارات الحضارية العارمة .
والمغرب من الدول التي تزخر بتراث ثقافي ضخم لازال في حاجة ماسة إلى نفض غبار النسيان عنه، و من المؤسف أن ما يوجد من هذا التراث لا يشفي غليل الباحث لأن جله مازال مخطوطا فوق رفوف المكتبات العامة والخاصة ، ومع ذلك يلاحظ اهتمام من طرف بعض الباحثين المغاربة الذين يعملون على تحقيق هذا التراث و دراسته .
و الدكتور “مصطفى عبد الله الغاشي” باحث أكاديمي متخصص في التاريخ الحديث ، يعتبر من الذين استهواهم هذا التراث ، فغاص بين ثناياه منقبا و باحثا و محققا و دارسا ، فاحتل مكانة بارزة إلى جانب الباحثين والمحققين الكبار في المغرب حيث مكنته مكانته هذه من الحصول على جائزة الحسن الثاني للمخطوطات عام 2006.
ولازالت لديه أعمال كثيرة في ضوء الإنجاز أو في المراحل الأخيرة من الإنجاز، و ينتظر الدكتور الغاشي الفرصة لتقديمها إلى النشر، مثل: “وثيقة نادرة عن دفاع عبد الله كنون عن اهالي طنجة عام 1950 م”. “والتعليم ومؤسساته بباريس مطلع القرن العشرين من خلال تمثلات مثقف مغرب الحماية، أحمد ابن المواز 1862-1922م”.
وحول هذا الموضوع الأخير أي – التعليم ومؤسساته بباريس مطلع القرن العشرين – نجد الدكتور “مصطفى الغاشي” قد ركز في دراسته على نموذج كانت له جرأة كبيرة في الدعوة إلى الاستفادة من فرنسا الدولة الحامية (فترة الاستعمار) وفي مجال دقيق وحساس يتعلق بالتربية والتعليم، وهو الفقيه العلامة “أحمد ابن مواز” أحد رموز الحركة الإصلاحية لمطلع القرن العشرين، والذي ترك كتابا بعنوان : ” خطوة الأقلام في التعليم والتربية في الإسلام“، توجد منه ثلاثة نسخ منها نسخة مؤسسة علال الفاسي التي اعتمد عليها الأستاذ الغاشي. وقد ألفه ابن المواز بطلب من رئيس المدارس العلمية بفاس في تلك الفترة، مما يعكس مستوى ونوع العلاقة التي كانت لابن مواز مع المسئولين الفرنسيين خاصة أولئك الذين تبنوا سياسة أهلية تحترم الدين والثقافة الإسلامية.
ويؤكد الدكتور الغاشي على أن ان كتاب “خطوة الاقلام …” ليس برحلة إلى فرنسا بل هو كتاب في التربية والتعليم إلا أن أحمد ابن المواز سبق له أن سافر إلى باريز ضمن وفد سفاري زمن السلطان الحسن الأول ، حيث أتيحت له فرصة زيارة باريز ومشاهدة معالمها التي تحدث عنها في خاتمة كتابه كما أنه اعتمد على بعض ما ذكره المؤرخون حول باريز وكذلك رحلة رفاعة الطهطاوي ” تخليص الابريز في تلخيص باريز ” التي لخص ابن المواز الكثير من فصولها ونقل بعضا من تفاصيلها المتعلقة بالتعليم ودور العلم والطب والخزانات والمكتبات والمتاحف والمختبرات والمجمعات العلمية. ويضيف الأستاذ أن ما كتبه ابن المواز حول باريز لا يقف عند الوصف العام بل يتعداه الى التفصيل الدقيق لمؤسسات التعليم والعلم وتخصصاتها ومجالات اشتغالها وهذا ما يتميز به ابن المواز عن باقي الذين كتبوا عن باريز في تلك الفترة .
وقد ركز الأستاذ الغاشي في مقاله على خاتمة هذا المخطوط، التي سماها ابن مواز ب “الخاتمة الإنصافية في فضل التعاليم الفرنسوية” حيث وضح لنا الأستاذ الغاشي على أن ابن مواز اعتبر باريس عاصمة العلوم والمعارف المدنية، لما تتوفر عليه باريس من مؤسسات تعليمية وكيفية الدراسة فيها والحضور المكثف للخزائن والمكتبات وتعدد الأكاديميات والمتاحف بمختلف أنواعها، والمختبرات التجريبية سواء للإنسان أو للحيوان أو النباتات، بالإضافة إلى المجمعات العلمية المتخصصة والمعاهد الحرفية والمهنية والجمعيات المؤطرة للعلم وأهله وكذا مؤسسات الاعتناء بذوي الاحتياجات الخاصة…إلخ.
كما أشار في مقاله على أن ابن مواز لا يتردد في جعل باريس عاصمة الحضارة والأنوار وأصل الاكتشافات وتفوقها المطلق في هذا الشأن على باقي الأمم والشعوب، ففرنسا بالنسبة إليه قوة عظمى فاستعمارها للمغرب إنساني أي الاصلاح والنهضة.
وفي الختام أكد الأستاذ الغاشي على أن ابن مواز نجح في رسم صورة موضوعية لمدينة باريس مطلع القرن العشرين، لكنه لم يستطع الحفاظ على المسافة الضرورية بينه وبين فرنسا الدولة الحامية، فقد لمع صورة الاستعمار وبرر سلوكاته القائمة أصلا على نهب خيرات ومقدرات الشعوب..
وفي الأخير نشير على أن الدكتور “مصطفى الغاشي” سيقوم بالتطرق لهذا الموضوع بكل تفاصيله وحيثياته من خلال مشاركته في ندوة علمية دولية عما قريب إن شاء الله.