بقلم : د.حبيب عنون، باحث في العلوم الاقتصادية والاجتماعية
من خلال الحوار القائم حاليا قد يكون من العبث الادعاء بكون إشكالية السكن لم تتفاقم إلا خلال السنتين الأخيرتين في حين أنها كانت عصية التناول أو بالأصح عصية الجهر بها لتشرع مؤخرا في اتخاذ مكانتها الطبيعية والقانونية كحق دستوري كان بالأمس القريب مستترا ليغذ اليوم من ضمن متطلبات العيش العادل للمواطن المغربي. مثله في ذلك كحق المواطن المغربي في الشغل والصحة والتعليم والمساواة والعدل والحماية والتعبير والحق في الحياة. بل أبلغ من هذا وذاك كله، فالحصول على مسكن كان دوما وسيظل جزءا لا يتجزأ من صفة ” رجولة ” المواطن المغربي.
حكم التاريخ على إشكالية السكن
قد يستغرب البعض من مضمون الخطاب المتداول بخصوص المراحل التي عرفها مسار تطور مجال إعداد التراب الوطني منذ ستة عقود أي منذ استقلال المملكة المغربية. فالاستغراب كل الاستغراب يكمن في استعراضهم لأمر معاش ومألوف منذ سنين وليس بجديد ضمن يوميات المواطن المغربي وانشغالاته خصوصا تلك الشريحة المجتمعية التي يوما بعد يوم بات الرأي المغربي يتخوف من سماع مأساة انهيار منزل او عمارة على أهلها، لتتزامن هرولة الروتينية الادارية في الإعلان عن فتحها لتحقيق حول حيثيات الفاجعة مع انهيار منزل آخر في نفس الحي أو المدينة أو مدينة أخرى. لتضاف إلى هذه الشريحة المستضعفة، شريحة مجتمعية ترغب عبثا في نعتها بالمتوسطة والتي لعدم توافر إرادة فعلية لإطفاء الشفافية والتنافسية على القطاع العقاري والقطاع المصرفي بالموازاة مع عدم الالتزام بتحسين وضعيتها المادية باتت تزاحم الشريحة الأولى باكتفائها، مكرهة في ذلك، على اقتناء السكن “الاجتماعي”. أما الاستغراب الثاني فيكمن في محاولة مجانية لتعرية ولفضح واقع، تعلمه وتعيشه العامة، والخاص بتفويت ملايين من الهكتارات من الأراضي. إلا أن ذات الخطاب ربما قد تناسى أن بعض الفعاليات الحزبية كانت شاهدة ومستفيدة من “الوزيعة”، وهذا مصطلح أبلغ شعبيا من مصطلح التفويت الذي تم الاستهزاء بالنطق به خلال حديث تلفزي. وما يزكي هذا التغاضي الحزبي عن ظاهرة “الوزيعة” هذه هو الاجماع حوله من طرف كل ضيوف برنامج “مواطن اليوم” الذي بثته قناة ميدي 1 ذلك أن الأحزاب السياسية في المغرب وجهات نافذة أخرى وأعيان استفادت من أراضي وضيعات وعقارات إما مجانا أو على الأكثر بثمن رمزي مع عدم أداء الضرائب. لقد كانت حقبة تاريخية كان فيها الريع الاقتصادي هو المقابل أو ثمنا للريع السياسي وهذا ما وقع عليه إجماع بين ضيوف البرنامج. إلا أن ما تجاهله البعض أنه في الوقت الذي كان يحاول بتوريط الحكومة الحالية من خلال ضرورة معالجتها لملف ساخن ومتشعب، تجاهلوا أن أحزابهم وباقي الأحزاب التي تعاقبت على تدبير الشأن العام أو من خلال مراقبتها لحسن تدبيره من زاوية المعارضة، كانت هي أيضا متغاضية على معالجة هذا الملف. وإذا كان هناك إجماع لذا المتدخلين حول غياب التصريح بضرورة معالجة هذا الملف عن أي برنامج حزبي خلال الاستحقاقات الأخيرة، فهذه مغالطة جلية ذلك أن هذه إشكالية توفير السكن شكلت دوما ورقة تمويهية “مربحة” خلال الحملات الانتخابية. كما أن البرامج السياسية فقد تضمنت في غالبيتها إشكالية الريع والذي هو إحدى ركائز إفساد تطور وتقدم اشتغال النمط الليبرالي الذي يحاول الاقتصاد المغربي تغليبه حتى ينجلي النمط التقليدي الذي لا تزال ركائزه قائمة.
إلا أن هذه المعادلة أو بالأصح المقايضة التاريخية السياسية – الاقتصادية تجاهلت، بسبب تعاقب مرحلة الاستعمار تم مرحلة السيبة تم مرحلة سنوات “الرصاص” تم مرحلة المصالحة وما تطلبته، الانعكاسات السلبية والتي ازدادت خطورة مع نضج شريحة عريضة من المجتمع المغربي بفضل عدة عوامل لا يمكن التركيز على أحدها كركيزة أساسية. الأهم هو أنها تجلت في ضرورة القضاء عليها ضمن خطاب ضامن وحدة البلاد ولم تكن بإشارات سياسية فقط بل بتوجيهات لإرادة سياسية صارمة استجابة لمتطلبات نضج الشارع المغربي وعدم تقبله بالاستمرارية في المساومات السياسية – الاقتصادية – المنفعية الفئوية أو الطبقية وضرورة تجاوزها باستبدال المساومات بالتركيز على الاستحقاقات والمؤهلات وتكافؤ الفرص، أي ما تضمنته شعارات الشارع المغربي من كرامة وعدالة ومحاسبة والحد من الفساد، على الصعيد المجتمعي عوض الفئوية. لعل الخطاب القائم لبين لفهم لماذا عجزت الحكومة الحالية على تفعيل الضريبة على الثروة التي كدسها أصحابها بناء على “اوزيعة تاريخية” لثروات البلاد وعجزها في معالجة إشكالية لكريمات والمقالع واستغلال المناجم وعجزها كذلك على الحد من الاختلالات التي يشهدها مجال الاستفادة من العقار الذي بات حكرا على ثلاث أو أربع مجموعات سكنية.
الحاضر: بين الاستمرارية والتعثر في الابتكار والتفعيل
إلا أن توجه الحكومة من خلال إبلائها الأولوية لتوفير السكن للطبقة المتوسطة قد يجعل المواطن المغربي يعتقد بكون أوراش السكن الاقتصادي للطبقات الدنيا والتي لا يزال يتخبط الكثير من أصحابها في مشاكل عدة في شتى المدن قد تم تجاوزها وكذلك الشأن بالنسبة لما اصطلح عليه سابقا ب”المدن الجديدة” وما الجديد فيها سوى الموقع والتي في غياب المرافق والمصالح العمومية الضرورية لاستقرار المواطن بها باتت مشاريع للمضاربة المستقبلية وتخزين الأموال وليست للسكن لكون الجزء الأوفر منها تم اقتناءه من طرف الطبقة التي هي في الأصل في غنى عنها. أما الحديث عن البناء العشوائي فقد تم الحسم فيه بإدراجه في إطار “عفا الله عما سلف” حيث باتت الحكومة لا هي قادرة على إيقاف اتساع رقعة البناء العشوائي ولا هي بقادرة على ابتداع حلول لقاطنيها. فحتى مصطلح العشوائي لم يعد يتسع لاحتواء ما هو صفيحي وما هو فوق سطوح البنايات وغيرها من “الابداعات” العمرانية” التي بات قاموس أو معجم العمران عاجزا على ابتكار تسمية لها. أما تلك المحسوبة عن التراث المعماري المغربي الأصيل والتي خصصت لها أغلفة مالية وطنية وأجنبية قصد الحفاظ عليها لكونها تشكل النواة الأولى لبروز بعض المدن المغربية، فهي باتت إما مصدعة وإما “متكئة على أعمدة وإما قد انهار نصفها وباتت أطلالا وإما أنها تنهار يوما بعد يوم على قاطنيها وإما انها فوتت للأجانب، ولا مجال للتساؤل عن مآل التمويلات التي كانت مخصصة لإعادة تأهيلها لكون “الجريمة قد سجلت ضد مجهول”مندرجة ضمن قضايا “عفا الله عما سلف”.
فتزايد البناء العشوائي الغير الضامن للعيش الكريم للمواطن المغربي هو أمر واقع ولا جدال فيه وما قد يعزز هذا الطرح هو التصريح الأخير للوزير بن عبد الله حينما، نقلا عن بعض الصحف الوطنية، “طلب من الداخلية التحلي بالحزم والصرامة في التصدي للاستمرارية في اتساع رقعة البناء العشوائي”. والملاحظ أن التعامل مع البناء العشوائي يسلك نهجا بعديا وهذا سبيل لا يجدي في شيء إذ أنه يبق الأمر أمام واقع تنقلب ترجمة التصدي له إلى احتقار شريحة مجتمعية مستضعفة من خلال هدم “البراكة” دون متابعة من تغاضى عن قيام هذا الواقع من خلال ابتزاز المستضعفين . فإذا كان رمز العدالة هو الميزان، فهذا الأخير له كفتين ولن يكون الميزان متزنا إلا إذا كان التعامل بالمثل أي كلما هدمت منازل عشوائية وجب أن تليها بنفس الوثيرة محاكمة من تغاضى مرتشيا عن هذه الوضعية. وإلا فلا حديث عن عدالة وهذا هو ما يؤدي بالمواطن المستضعف إلى السخط لكونه في الوقت الذي يتابع فيه هدم منزله دون تعويض ولا منفذ سوى التشرد أو إلى اقتسام براكة مع عائلة أخرى لم يطلها الهدم بعد، تراه ينبذ حظه آملا لو كان باستطاعته إلقاء القبض على من “لهف” منه ماله في البداية موهما إياه أنه في المستقبل القريب سيتم تعويضه ببقعة أرضية أو بسكن اقتصادي… ليبق المواطن في وضعية كفتي ميزان غير متوازيتين. وقد تبرز هنا ملاحظتين:
كان من الضرورة تبني البعد القبلي في معالجة تهيئة المجال وخصوصا إشكالية السكن من خلال إعادة النظر في مقاربة الوسط القروي والذي قد يعتبره الكثير المصدر الأساسي لقاطني دور الصفيح بالرغم من كون هذا التعليل ليس بالأصح ولا بالأوحد (…) مع العلم أن حرية الانتقال المواطن المغربي داخل بلاده يندرج ضمن حقوقه. ما وجب أخذه بعين الاعتبار هي التغيرات البنيوية والجغرافية والديمغرافية التي شهدتها الكثير من المجالات التي ما زالت بعض الجهات المسؤولة تعتبرها وسطا قرويا بمفهومة البائد في حين أن ذات المجال بات يشكل مدينة من ناحية الشكل والديمغرافية ولكنها فاقدة لأبسط عناصر الاستقرار بها من خلال التماطل في عدم تعميرها بمصالح المؤسسات العمومية الضرورية.
لن يحاصر امتداد البناء العشوائي بالمقاربة الأمنية كما لمح إلى ذلك الوزير بن عبد الله حينما ألقى باللوم إلى وزارة الداخلية، بل بالاهتمام الملح بتنمية العالم القروي والذي بالرغم من كونه مصدر ثروة البلاد فإنه يضل سياسيا خزانا للأصوات ومجالا لتهييج النزعة القبلية عند الحاجة ؛ واقتصاديا ، دون نصيب من عائدات ما استنزف منه. لينجم عن ما قد سلف ذكره سياسبا واقتصاديا مجال ترابي يعاني، اجتماعيا، العزلة والفقر والخصاص البنيوي في بحر مجال الصحة والتربية والتعليم والكهربة والماء الصالح للشرب ووسائل وبنيات التنقل والتواصل مع الوسط الحضري. قلما رغب الانسان، بطبيعته، التنقل نحو وجهة أخرى إلا إذا كانت ثمة حاجة رغب في قضائها فإذا ما توفرت لذبه هذه الحاجة فإنه يظل متشبثا بموطنه عوض استبداله بسقف القصدير.
لم يتم تهميش مجال مصدر الثروة وإنعاش ظروف معيشة ساكنته مقابل الاهتمام بمجال وبظروف ساكنة الوسط الحضري اعتمادا على ثروة المجال الأصلي القروي؟ ألم نكن كلنا فيزيوقراطيو الأصل؟
فشل محاصرة البناء العشوائي والقفز نحو السكن “المتوسطي”
في واقع الأمر فالمسالة ليست بفشل بل في عدم رغبة الحكومة في تفعيل مقتضيات الدستور من زاوية المسؤولية والمحاسبة ذلك أنه إذا كانت هناك استمرارية مؤكدة خطابيا وواقعيا في تنامي السكن العشوائي فهذا يعني أن الحكومة قد فضلت التغاضي عن من وراء استفحال هذه الظاهرة والمستفيدين من ريعها ربما تحت ذريعة ” إذا ما التدقيق في هؤلاء المستفيدين ومتابعتهم، فقد يزج ب”الكل” داخل السجن”؟ ربما قد ارتأت الحكومة أنه من “الأفضل” أن يبق الوضع على ما هو عليه دون إحراج “أولئك” وعلى المتضرر أوالمشتكي الصبر على تحمل “لكمات الطريقة التقليدية” والتي من المفروض أن تكون مقتضيات دستور2011 قد نبذتها. ربما صح ذاك القائل بكون كم حاجة قضيناها بتركها… إلا أن هذه الحدوتة باتت متجاوزة زمانا ومكانا في ظل الحركية القائمة التي بات من الصعب تاطيرها “شفاهيا” دون تغيير ملموس.
خصصت الملايير من الدراهم لمشروع المدن الجديدة منذ حكومة السيد ادريس جطو حين كان وزيرا أولا وتناولت الملف نفسه الحكومة الموالية حكومة عباس الفاسي إذ كان الهدف المتوخى يكمن في تخفيف الضغط على المدن ذات الكثافة السكانية المرتفعة؛ إلا أن الأمر لم يكن كما كان منتظرا ولا مجال هنا لتكرار ما كتب عن هذه المدن من سلبيات والتي على سبيل المثال ذاك المواطن الذي اقتنى بالتقسيط منزلا بهذه المدن وفي نفس الوقت بات مكرها مكتريا لمنزل أخر في المدينة حيث يتواجد عمله وحيث تشتغل زوجته ويدرس أبناءه. وبالتالي فالهم بات همين. بل، وبالوضوح التام، كيف تم إعداد مدن جديدة دون التفكير القبلي لتوفير المرافق الضرورية العمومية لفائدة ساكنتها ؟ لا أعتقد ذلك. ولكن في غياب الشفافية والمحاسبة لا يمكن للمواطن إلا أن يطرح تساؤلا مشروعا حول الوجهة التي اتخذتها الأموال التي كانت مخصصة لتمويل هذه المرافق ؟ “عفا الله عما سلف” وليفتح الوزير بن عبد الله غلافا ماليا آخرا بقيمة 500 مليون درهم لإعادة تأهيل كل من تمنصورت (مراكش) وتامسنا (الرباط) في انتظار زوال الأزمة حسب تصريحه لإعداد مدينتين جديدتين. ففي غياب أي معطيات لتبرير كيفية تم تدبير إعداد مدينتي تمنصورت وتامسنا، فمصطلح إعادة تأهيل لا يوازيه إلا مصطلح سوء تدبير الأموال العمومية التي كانت مخصصة لبنائهما ذلك أنه عند تقديم مشروعي إعدادهما أمام ملك البلاد، فقد تم تقديمهما كاملتين من ناحية التعمير والهندسة والمرافق وخصوصا الغلاف المالي والمدة الزمنية اللازمين. أين إذا الخلل؟ ما أسبابه؟ ولم الحديث عن إعادة التأهيل؟. فإذا كان البلد سيخصص أغلفة مالية لإنجاز مشاريع تم يخصص أغلفة مالية لإعادة تأهيلها فهذا تبذير للمال العام أولا وتعطيل لمشاريع أخرى جديدة قد كانت لتنجز لولا سوء التبذير. ربما لو وجهت هذه الأموال لتجهيز مجالات أخرى تعاني الخصاص في المرافق العمومية والماء والكهرباء وباقي البنيات التحتية… لكان أنجع اقتصاديا واجتماعيا.
قضي كل أمر,,,، لم يتبق سوى إيواء الطبقة المتوسطة !
لم يكن المواطن المغربي يعلم أنه خلال سنة واحدة فقط بعد التصنيف “الطبقي” الذي أعلنت عنه المندوبية السامية للتخطيط استنادا إلى الدخل الشهري، أن الطبقة المتوسطة قد انتقلت من 7.000 درهم إلى 15.000 درهم ! ذلك أن الخطاب المتعلق بتوفير السكن لفائدة الطبقة المتوسطة قد اعتمد 15.000 درهم كدخل شهري لمكوناتها. أما الملاحظة الثانية فتهم 5.000 درهم للمتر مربع لاقتناء 120م2 والطريقة التي تم الاستناد عليها من خلال توافق من الوزارة الوصية وثلة من المنعشين العقاريين مع تغييب تام لممثلي المجتمع المدني كفاعل وكمستهلك والذي أولاه دستور 2011 مكانة تجعل منه مشاركا أساسيا وبالتالي يبق اتخاذ أي قرار في غياب إشراك ودعم ومصادقة المجتمع المدني المعني قرارا غير دستوري. علاوة على هذا، فعلى أي أساس أو معيار تم تحديد مستوى العيش الكريم في 60 م2 بالنسبة للطبقة الدنيا و 120م2 بالنسبة للطبقة المتوسطة؟ الجواب الوحيد الجلي هو قياس الراحة والعيش الكريم للمواطن المغربي بقدر ما يتوفر عليه كدخل ! أما الحديث عن جودة ومكان وطريقة اقتناء السكن فيبق مبنيا للمجهول.
إذا كانت المنهجية المعتمدة في إعداد سكن الطبقة المتوسطة هي تلك التي تم اعتمادها في إعداد السكن الاقتصادي، فالنتيجة تبق غير ذي جدوى مضمونة إذ سيستحوذ على السكن من هو في غنى عنه قصد المضاربة كما وقع في تجربة السكن الاقتصادي، وبالتالي من الافضل اعتماد منهجية مغايرة تتمثل في اقتناء البقع الأرضية المخصصة للبناء من طرف الوزارات والمؤسسات العمومية والتعاقد مع منعش عقاري قصد إنجاز السكن وفق نموذج يتفق بشأنه بين ممثلي الوزارة والمنعش العقاري والمستفيدين لتبق العلاقة قائمة بين الوزارة أو المؤسسة العمومية من خلال خلية أعمالها الاجتماعية وموظفيها دون المرور عبر الاقتراض الشخصي من البنك وتحمل سعر فائدة يتجاوز ذاك السعر الذي قد يطبق على المؤسسة العمومية لتقوم هذه الأخيرة باقتطاع أقساط ثمن السكن من الأجر وفق ما تم الاتفاق بشأنه بين مسؤولي الأعمال الاجتماعية للمؤسسة العمومية أو الوزارة المعنية وممثلي المستفيدين. كما أن من شأن هذه المنهجية أن تضبط العرض وفق الطلب أي أن الأولوية في السكن ستكون لمن لا سكن له تجنبا للمضاربة وتجنبا لاستفادة غير مبررة لمن هو متوفر على سكن علاوة على تمكين المواطن المغربي من اكتساب مسكن وفق قدرة شرائية متدبدبة الوثيرة. وقد تبنت هذه الطريقة بعض المؤسسات العمومية قصد توفير السكن لموظفيها ووفقت فيها. فلم لا يتم اعتمادها وتطويرها وتعميمها لباقي المؤسسات وتجنب المواطن تحمل أضعاف ما يكلفه إنجاز منزل.
كما أن الحكومة بإمكانها تدارس منهجية أخرى لتفادي ما يجب تفاديه (…) وذلك من خلال تحديد ثمن المتر المربع الواجب تداوله داخل جهات كل مدينة تماشيا وخصوصيات كل جهة في المدينة مع فتح مجال المنافسة أمام المنعشين العقاريين وفق هذا الثمن وخصوصيات السلامة في البناء عوض الوضعية الحالية للعقار التي تتميز بالانتهازية والعشوائية والغموض والاحتكار على حساب أولا المواطن تم على حساب ضبط مداخل خزينة الدولة من ضرائب العقار.
وقد تكون إحدى هاتين المنهجيتين إيجابية في الظروف الراهنة إلى حين توافق مكونات الحكومة على الارادة الحقيقية لتطهير قطاع السكن قصد حماية المواطن المغربي من العشوائية الحالية التي يعيشها هذا القطاع وتمكين خزينة الدولة من ضبط مداخلها من العقار أولا وثانيا إلى حين أن ينجح مجلس المنافسة في معالجة قطاع العقار أي في جعله خاضعا للمنافسة الحرة وتغييب الاحتكار والسمسرة والتسبيق الغير معلن المعمول به (noir ) والذي بات من بين التعثرات الأساسية أمام حصول المواطن على مسكن. فإذا ما استمر حال العقار على عشوائيته فسيكون الحصول أو مجرد التفكير في حصول المواطن المغربي على ما يصطلح عليه بالعامية المغربية ” قبر الدنيا ” من السبع المستحيلات خصوصا وأن السكن له مكانة خاصة في نفسية وشخصية المواطن المغربي ذلك أنه بالنسبة إليه فحصوله على مسكن هو جزء لا يتجزأ من رجولته. أما عدم الحصول عليه فهو الاحباط البليغ بعينه وتشردم مستقبلي لأبناءه ونقص في رجولته من زاوية عجزه على ضمان تماسك اسرته تحت سقف واحد. وقد نبهر إذا ما تم تحليل نسبة تشردم وتشتت بعض العائلات بسبب عدم قدرة رب الأسرة على توفير مسكن لذريته.